وارد بدر السالم
هل المطلوب من المبدع أن يكون حكيما؟ والمبدع هنا هو العالِم والروائي والشاعر والفنان والسينمائي والفيلسوف والسياسي والجمالي بشكل عام. وبمعنى مباشر هل من مطلوب من كل هذه التوصيفات الإبداعية أن تقول الحكمة في ما تكتب أو تكتشف أو تنجز لاسيما من الذين احترفوا ويحترفون الأدب؟
والحكمة خلاصة حياة وفلسفة وجودية ورأي شديد التعقيد في باطنه وظاهره. فهل مثل هؤلاء قادرون على أن يقولوا الحكمة بوصفها خلاصة أو خلاصات وجودية؟ وهل للأديب والسياسي والعالِم والفنان وحامل الجمال الإبداعي قدرة على “تفسير الحياة”
مثلاً بعد منجزاته العلمية والأدبية والفنية؟
ستبدو “الحياة” وصفا شاسعا في الزمن والتمظهر الوجودي، لذا سنقرأ الكثير من الإفاضات الفلسفية لو شئنا، لكننا سنقف عند المختصرات النافذة في جوهر التفسير في كثير من الأحيان، وسنرى أنّ لكل مبدع رؤيةً لا تشبه غيرها عن هذا وذاك وربما هي متناقضة كليّا مع غيرها، ففي معنى الحياة قال المهاتما غاندي: إنها الحب، لكن دوستويفسكي يرى: إنها الجحيم.
فيما بيكاسو يجد بأنها الفن، بينما رأى أبيقور بأنها المتعة أو اللذة؛ وبين الحب والجحيم والمتعة والفن تتعاقب أزمان وأجيال وتتوالد الحكمة بين السياسيين والأدباء والفنانين والفلاسفة بطريقة متناقضة وصريحة لا بد وأن نحيلها إلى ظرفية الزمن ومكانه ونوعيته وسياسته وعلاقاته الاجتماعية وحجم الثقافة العامة في أروقته الكثيرة، وهو أمر ليس عسيرا إذا درسنا الظروف بين هذه الأجيال التي تمثلها الأعلام المذكورة، وهي تستشرف الحياة بأضدادها الكثيرة بين السعادة واليأس والقنوط والأمل في أخلاقيات البحث عن الفضيلة المرتبطة بإحكام السعادة التي ارتأتها النظريات الأخلاقية القديمة، ممثلة بسقراط الباحث في ركام الحياة عن جودتها وفضيلتها وسعادتها عبر الروح وما جاء به أفلاطون وزينو من أخلاقيات فلسفية تحاكي الواقع وتستنبط منه الحكمة والرأي، وصولا الى فلاسفة القرن العشرين الذين ظلوا في جدل حول هذه المفاهيم الإنسانية في تفسير الحياة ومنعطفاتها ومعطياتها الكثيرة بين الخير والشر.
ولو تعمّقنا كثيرا في بطون الفلسفة القديمة وأخلاقياتها حتى الفلسفة الحديثة ونظرياتها الاجتماعية والدينية في تفسير الحياة سيكون الموضوع شائكا ومعقّدا؛ ولكن أساس الفكرة هو سؤال ليس عابرا في الأحوال كلها هو: هل من الضروري أن يكون الكاتب أو حكيماً إذا كانت الخلاصات التي نوردها من عباقرة علم ومعارف وفلسفة؟ بمعنى أن يكون ذا قدرة كلية على تفسير الأشياء وإسقاطها على مفردات الحياة، وبالتالي يستخرج جوهر وخلاصة المعنى في كل أمر يعترض الجمهور ويُشكل عليه؟ وهل مثل هذا التوصيف المتسائل يساعد على فهم الحياة ولو جزئيا؟
استغرقت الفلسفة وقتا طويلا في تفسير الحياة وماهيتها، وتسابقت مع الدين في هذا المقال ولم يتوصّل أحد في ما نعلم على التفسير الأكيد لمعنى الحياة أو أن تكون فيها سوى من أدبيات فلسفية ودينية جدلية معروفة زادت من الأمر تعقيدا وضبابيةً، ولم يكن علماء وسياسيو القرون الكثيرة سوى ما يرونه من زواياهم الشخصية على الأكثر الأعم، فكارل ماركس يرى بأنها “فكرة” ونيتشة يفسرها على أنها “القوة” بينما يراها آينشتاين بأنها “المعرفة”.. وهكذا تمضي هذه الاختصارات والملخصات بإشاراتها اللماحة من دون أن تتوقف. ولو أسعفنا الحيز والوقت لتطلعنا الى المزيد من هذه الإشارات الذكية التي تتقصى واقع الحياة بجدليتها الفلسفية والعلمية إلى ما لا نهاية.
والسؤال الوجودي الكبير ما معنى الحياة يجيب عليه في العادة علماء ومعرفيون، بينما تقل نسبة الإجابة عند الأدباء الخياليين الذين يتعاملون مع اللغة أكثر مما يتعاملون مع الواقع. فهل هذا معناه أن الخيالي هو الأقرب إلى الأديب منه إلى المعرفي والعلمي؟
نعم. وهذا أكيد.
0 تعليقات
إرسال تعليق