الإعلامية ندى الكيلاني

 

عندما جلست أمامك ذلك اليوم

هناك في ذلك المقهى

حيث كان يعم السكون

و حبات المطر تغطي النوافذ

و أضواء الشموع تتلألأ و كأنها النجوم

و صوت عازف الكمان

يعزف ألحانه الحزينة

و يملئ المكان بالرومانسية و الهدوء

كنت جالسة أمام قفص العصفور

كان ينظر إلي و كأنه يعرفني

فهو يراني دوما

أجلس على نفس الكرسي

و أرتشف نفس فنجان القهوة

و أعبث بصفحات روايتي

و أحيانا أصلح أحمر الشفاه سريعا

و أنا أتلفت حرجة أن يراني أحد

كان ذلك المساء مختلفا

رأيتك تجلس مقابل مكاني المعهود

كنت لا تنظر إلي و لا إلى أحد

كنت شاردا مهموما غامضا

لا يعرف إن كنت فرحا أم حزينا

كنت أراقبك و أمثل دور القارئة

كنت أرى الحروف و الكلمات

لكني لم أكن أفهم منها شيئا

قد لفت نظري و لم يعد هناك شيء غيرك

كنت تحتسي القهوة مثلي

و تنظر بين الحين و الآخر لجريدتك

تريد أن تقرأها و لكنك في عالم آخر

كنت أتمنى لو أدخل عالمك و أكتشف مافيه

كنت أرغب بالغرق في عينيك

اللتين كانتا تبرقان من بعيد

و كأنهما أحد كواكب المجموعة الشمسية

كنت ترتدي معطفا أنيقا

و يلف عنقك شال كأنه عنقود من عناقيد العنب

كنت في غاية الوسامة

رغم أنك لم تكن تهتم لذلك و لا تفكر فيه

حاولت رؤية نفسي في المرآة

لأتاكد إذا ما كنت أنيقة مثلك

إذا ما كنت أناسب رجولتك

إذا ما كنت جديرة بشخصيتك

لكني لم أكن واثقة

فأنت السلطان و أنا الجارية

فكيف تستميل ؟؟؟

بدأت أتخيل لو أنني نهضت من مكاني

و ذهبت إليك و كلمتك

لو كان حديثا تافها

لو كان غير لائق بفتاة مثلي

لو كان الجميع سينظر من حولي

لماذا لا أكون جريئة و أذهب؟؟؟

نهضت من مكاني

لكنك تحركت قليلا و كأنك تنذر بالرحيل

ارتبكت و تلعثمت

و ضاعت الفرصة

و جلست من جديد

لا أقوى على ذلك

كيف لي أن أقتحم حياتك ؟؟

كيف لي أن أحاول المستحيل ؟؟

رأيتك تنظر إلى ساعة يدك الذهبية

و تصدر زفيرا كالريح العاصفة ارتطم بي

و طير مني شالي العتيق

التقطه قبل أن يسقط على الأرض

و أمسكت به و شممته

لعل عطرك يصل إلي

و فجأة رأيت فتاة قادمة من بعيد

جميلة جدا غاية في الرقي

ترتدي ثيابا لم أرى مثلها

في محلات الفقراء والمساكين

و تضع على رأسها قبعة

و كأنها أميرة من زمن الأساطير

كانت تمشي و تحوم حولها نظرات الإعجاب من جميع الحاضرين

و أنا مثلهم أنظر بدهشة الأطفال أمام قصة من قصص الخيال و أرفض التصديق

اقتربت شيئا فشيئا اقتربت مني

و أنا مازلت مذهولة أحاول أن أستيقظ من حلمي الوهمي

ثم رأته رأته هو

و جلست بجانبه و بدأو الحديث

كان همسا لا يسمع منه شيء

كانا عاشقين من الطراز الرفيع

علمت حينها أن لا مكان لي

لملمت أشيائي و خيبتي

وقفت بسرعة و وقع فنجاني

و سقطت قطرات منه على معطفي

و كأنها دماء جريح

لم آبه لذلك و أخذت روايتي بيدي المنكسرتين

و غادرت المقهى كما يغادر العاشق حبه القديم

و لم أنظر ورائي أبدا

فأنا أعلم منذ البداية

أن حكايا الحب لن يكون لي فيها نصيب

و أن أكثر قصص العشق

بائت بالخذلان و الفشل الذريع

كان علي أن أبقى بعيدة

فأنا لا أقوى على الإحتراق و الفراق الأليم

و أدركت كما العادة

أني لا أمتلك سوى ذلك الحب

الحب العابر

الذي يستحيل فيه إكمال الطريق