عبد الخالق هشام يوسف

 

شهدت الساحة الاقتصادية والمالية على وجه الخصوص العديد من التطورات والتي جاءت كضرورة حتمية أملتها التطورات التي تشهدها فضاءات تكنولوجيا الاعلام والاتصال ومن هنا دعت الحاجة الى اجبارية ابتكار أدوات مالية جديدة قادرة على تلبية احتياجات المستثمرين داخل هذه الساحة، ومن بين هذه الابتكارات ما عرف بالتكنولوجيا المالية والتي تعتبر ثورةً اقتصادية جديدة.

كما شكل قطاع التكنولوجيا المالية خلال السنوات القليلة الماضية ثورةً في الأنظمة المالية العالمية والعربية، حيث نجحت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في تقديم حزمة متنوعة من الخدمات المالية تتضمن خدمات المدفوعات والعملات الرقمية وتحويل الأموال وكذلك الإقراض والتمويل الجماعي وإدارة الثروات بالإضافة إلى خدمات التأمين، الأمر الذي يلقي بظلاله على مستقبل الخدمات المالية التقليدية. ولذلك، تسعى المصارف والمؤسسات المالية إلى إدخال بعض التغييرات في نماذج أعمالها من خلال التوسّع في اعتماد التكنولوجيا والاستثمار في البنية التحتية الخاصة بها، وربما الدخول في شراكات مع الشركات الناشئة لتحسين قدراتها التنافسية وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات المالية. وهنا تبرز أهمية توافر الإطار التشريعي والتنظيمي والرقابي الذي يسمح بتطوير وتشغيل نماذج أعمال التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي المالي، والذي يُمكّن السلطات الرقابية والتنظيمية من الحد من المخاطر وتوفير فرص النمو في بيئة تنافسية، مع الحفاظ على السلامة المالية والاستقرار المالي.

مصطلح التكنولوجيا المالية او Financial Technology تم اختصارها في FinTech يمكن أن تنطبق على أي ابتكار في كيفية تعامل الناس مع الأعمال في المدفوعات، التحويلات المالية، المحافظ الإلكترونية … من اختراعات الكترونية للتعامل مع الاموال الى السجلات الحسابية الرقمية. منذ ثورة الإنترنت وثورة الإنترنت عبر الهاتف النقال، نمت التكنولوجيا المالية بشكل متفجر، وفينتيك او FinTech التي أشارت في الأصل إلى تكنولوجيا الكمبيوتر المطبقة على المكتب الخلفي للبنوك أو الشركات التجارية، تصف الآن مجموعة واسعة من التدخلات التكنولوجية الشخصية والتجارية المالية. وتعرف التكنولوجيا المالية هي اختراع تكنولوجي يتم توظيفه في الخدمات المالية.

الاستثمارات العالمية والعربية في قطاع التكنولوجيا المالية:

حققت الاستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا المالية نمواً سريعاً في السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفعت قيمتها بما يزيد عن عشرة أضعاف في الفترة بين 2012 و2018، وبلغ حجم الاستثمار العالمي في شركات التكنولوجيا المالية حوالي 112 مليار دولار في عام 2018، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 120 % مقارنة بالعام 2017، والذي بلغ فيه حجم التمويل والاستثمار 50.8 بليون دولار أمريكي.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حققت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية استثمارات كبيرة حيث شهد النصف الأول من عام 2019، 238 استثماراً تصل قيمتها إلى 471 مليون دولار في تمويل الشركات الناشئة، وهو ما يمثل مؤشراً ممتازاً، حيث يعبر عن زيادة مقدارها 66 % في قيمة الاستثمار خلال هذه الفترة، مقارنةً بالنصف الأول من عام 2018 الذي بلغت قيمة الاستثمارات فيه 283 مليون دولار. كما حقق عدد الصفقات مستوى قياسياً بدوره، مسجلاً زيادة قدرها 28 % مقارنةً بالنصف الأول من عام 2018، مما يشير إلى استمرار الإقبال على الشركات الناشئة في المنطقة خلال جميع مراحل الاستثمار. وحافظت الإمارات العربية المتحدة على صدارتها باستحواذها على نسبة 26 % من مجموع صفقات الشركات الناشئة التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، والتي تمّت في النصف الأول من عام 2019، بينما حازت نسبة 66 % من إجمالي التمويل المقدم للشركات الناشئة، وسجلت تونس امتلاكها بيئة الشركات الناشئة الأسرع نمواً في النصف الأول من عام 2019، حيث استحوذت على خامس أكبر عدد من الصفقات بنسبة 8 % من جميع الصفقات، وبزيادة قدرها 4 % مقارنةً بالنصف الأول من عام 2018، بينما سجلت المملكة العربية السعودية زيادة بنسبة 2 % في عدد الصفقات، أي ما يصل إلى 11 % من إجمالي عدد الصفقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الفرص والمخاطر الناجمة عن تطبيق التكنولوجيا المالية في العمليات المصرفية:

نظراً لصغر حجمها ومحدودية انتشارها في المنطقة العربية بشكل عام، لا تتصرف الشركات الناشئة على أنها منافس مباشر للمصارف العربية، بل تسعى معظم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية إلى الشراكة والتعاون مع المصارف. ولا يزال اختيار التكنولوجيا المالية المناسبة والتطبيق الناجح لها، يشكل تحدياً للمصارف، وخاصة تلك التي لديها ثقافة ابتكارية ضعيفة، لذلك يمكن لعقد الشراكات مع الشركات الناشئة المختصة في مجال التكنولوجيا المالية أن يساعد المصارف على الحفاظ على حصتها السوقية وذلك عبر تقديم منتجات مصرفية مبتكرة لعملائها. ويمكن استعراض الفرص التي تتيحها التكنولوجيا المالية للقطاع المالي والمصرفي بما يلي: تعزيز الشمول المالي، توفير خدمات مصرفية أفضل وأكثر مُلاءمة للعملاء، التأثير الإيجابي المحتمل على الاستقرار المالي بسبب تزايد المنافسة، ودور التكنولوجيا الرقابية (RegTech) في تحسين عمليات الامتثال في المصارف. ومن جهة أخرى، تتضمن المخاطر الرئيسية التي قد تنجم عن تطبيق التكنولوجيا في العمليات المصرفية، المخاطر الاستراتيجية، المخاطر التشغيلية، مخاطر الامتثال، مخاطر الاستعانة بمصادر خارجية، المخاطر السبرانية (Cyber-risk)، ومخاطر السيولة والتمويل.