نزار العوصجي
في ال 30 من حزيران من كل عام ، يستذكر العراقيين بفخر واعتزاز ذكرى ثورة العشرين ( 1920) الخالدة ، ضد الاحتلال البريطاني ، حيث خرج العراقيون عن بكرة أبيهم وبكل مكوناتهم فى مظاهرات سلمية للمطالبة بالاستقلال الكامل ، والاعلان عن رفض سياسة تهنيد العراق تمهيداً لضمه إلى بريطانيا .. وسرعان ما تحولت المظاهرات السلمية إلى ثورة مسلحة نتيجة ممارسات الاحتلال القمعية ...
لقد قامت الانتفاضة العراقية نتيجة عدم إيفاء دول الحلفاء بالوعود المقطوعة للعرب ، بنيل الاستقلال كدولة عربية واحدة من دولة الخلافة العثمانية ، بالإضافة إلى حدوث التضخم النقدي ، وما أدى من بعده إلى ارتفاع فى الأسعار فى العراق ، ونقص العدالة والمساواة التي قام الإنجليز بتطبيقها أثناء حكمهم للعراق ، و رعونة بعض الحكام السياسيين و معاونيهم من الإنجليز و الذين تولوا مناصب الحكم فى ألوية العراق وأقضيته ...
فى يوم 30 من حزيران استدعى الشيخ شعلان أبو الجون رئيس عشيرة الظوالم ، إلى السراي الحكومي في بلدة الرميثة جنوب العراق وقد لبى الشيخ شعلان طلب الاستدعاء ، وقد أبدى الشيخ شعلان كثيرا من الصلابة في مقابلته مما دفع إلى حجزه وتوقيفه في السراي بقصد إرساله بواسطة القطار إلى الكويت ثم إلى بريطانيا خوفاً من اندلاع الثورة في الرميثة ومن ثم بالعراق فأرسل إلى أهله وصية مفادها : ( غداً سيتم تسفيري وأريد 10 ليرات ذهب ) ، لم يفهم البريطانيون مغزى الوصية !
ولما وصلت كلمات الوصية لعشائر الرميثة فهموا المعنى عشر ليرات ذهب ، يعني عشرة رجال شجعان يقتحموا السجن ويطلقوا سراح الشيخ وفعلاً تم اختيار عشرة أبطال ، وفي الصباح أنطلق الجحاجح العشرة وقد اخفوا أسلحتهم تحت ثيابهم وساروا متجهين للسجن البريطاني وفي الطريق لاحظ أحد المارة أن سلاح أحد الرجال جزء منه ظاهر فقال له : غطي سلاحك جزء منه طالع ، فرد عليه البطل ساخراً ( بعد شوي يطلع كله ) ، وبالفعل اقتحموا السجن البريطاني واطلقوا سراح الشيخ شعلان أبو الجون الذي قام بطعن آمر السجن ولما خرجوا أسرع شعلان إلى فرسه فقال له أحد أصحابه هوسة : يابن العم ممشاك ابراضة ..
فرد عليه شعلان أبو الجون : لست خائفاً إلا عليكم .. ليعود الشيخ شعلان إلى مضارب عشيرته سالما ، وكانت هذه الحادثة الشرارة التي اطلقت الثورة ...
في يوم 11 من شهر تموز اجتمع رؤساء العشائر في المشخاب في مضيف الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وقرروا البدء بإعلان الثورة ، وفي اليوم التالي تم إعلان الثورة وتم رفع رايتها وتقدمت جموع العشائر نحو أبو صخير لمحاصرتها ، وبدأ حصار أبو صخير في يوم 13 من تموز واشتركت فيه عشائر آل فتلة ، الغزالات ، آل شبل وآل إبراهيم وفي يوم 14 من نفس الشهر أرسل الإنجليز قوات عسكرية ، وقامت مواجهة بينهم وبين العشائر وهم يرددون ( الطوب احسن لو مكواري ) ...
اندلعت الثورة بالرميثة وصدرت الفتاوى من المراجع الشجاعة الواقفة الحسينية فعلا لا قولا وأشهرها فتوى المرجع الشيرازي والخالصي وتأييدهم وبقيادة السيد محمد سعيد الحبوبي والميرزا عناية الله آل جمال الدين وأطلقت الصيحات ( حل فرض الخامس كومولة ) ، وصيحه شرناها وعيت باهيزة .. للشيخ ذرب ال خضير ، اطلقت عندما اراد الانكليز عبور منطقة باهيزه في ديار ال ازيرج ...
حتى النساء كان لها موقف ، فهذه الأم اعتقلوا ابنها بتهمة قتل ضابط بريطاني ..
فانشدت تقول : بس لا يتعذر موش آنة ، فاجابها وهو في المعتقل : حطوني بحلكة وكلت آنة ، أي بمعنى وضعوني بفوهة المدفع ولم أنكر قتل الضابط ..
والمرأة الثانية التي استشهد ابنها جاءوها وقالوا جن ما هزيتي ولوليتي .. فقالت لهم بهوسة أيضا : هزيت ولوليت لهذا ...
استشهد في ثورة العشرين مايزيد عن 6000 من الثوار العراقيين ، ونحو 500 من الجنود البريطانيين والهنود لقوا حتفهم خلال الثورة ، وكلفت الثورة الحكومة البريطانية الكثير من الاموال ، حيث بلغت ضعف مبلغ الميزانية السنوية المخصصة للعراق ، لذا فقد كان لها اثراً كبيراً في إعادة النظر باستراتيجيتهم في العراق ...
لقد كان لقلة موارد الثورة ، وندرة العتاد الحربي لدى الثوار ، وجهل الثوار بأسلوب الحرب النظامية ، الأثر الكبير مما ادى الى حصر الثورة في الفرات الأوسط ، و فقدان القيادة ، بالاضافة الى خيانة بعض البرجوازيين والإقطاعيين ، وانقطاع الصلة بالعالم الخارجي ، ورغم كل ذلك الا ان الثورة حققت الكثير من غاياتها ...
ما اشبه الامس باليوم حين نتحدث عن ثورة العشرين التي مضى عليها ( قرن كامل ) 100 عام ، ونقارنها بثورة تشرين القائمة في يومنا هذا ، لنجد ان المشتركات كثيرة جداً، واوجه الشبه متعددة بدءاً من اللحظات الاولى التي ادت إلى خروج العراقيين عن بكرة ابيهم وبكل مكوناتهم فى مظاهرات سلمية ضد الاحتلال وسياسة تغير هوية العراق ، وصولاً إلى الاسباب والحيثيات التي ادت إلى قيام الثورتين ، والمطالبة باستقلال القرار العراقي في ادارة شؤونه الداخلية والخارجية ، ورفض مبدء الوصاية والاحتلال من قبل الاجنبي ، بالإضافة إلى التضخم النقدي ، الذي يؤدي إلى ارتفاع فى اسعار السلع الاستهلاكية ، بالتزامن مع قلة الموارد لدى المواطن نتيجة ارتفاع نسب البطالة وغياب العدالة والمساواة بين ابناء الشعب العراقي ، و استشراء فساد السياسيين وعصاباتهم من العملاء الذين تولوا مناصب الحكم فى عموم محافظات العراق ...
لقد حاولت الميليشيات المرتبطة بايران وعملائها المهيمنين على السلطة جاهدين إلى السعي لأخراج ثورة تشرين عن سلميتها ، من خلال استهداف وقتل المتضاهرين وقنصهم ، مما ادى الى استشهاد مايقرب من 1000 شهيد ، واصابة مايقرب من 27000 جريح ومعوق ، في محاولة بائسة لدفع المتضاهرين السلميين باتجاه استخدام القوة ، وكذلك السعي للنيل من عزيمة واصرار الشباب ، وثنيهم عن مواصلة الاحتجاج ، و وقف التظاهر ضد الطغمة الفاسدة ...
ان وحدة الاصوات المطالبة بحقوق الشعب ، والرافضة للطائفية والتبعية والفساد ، زاد من قوة وصلابة واصرار الثوار على المضي في طريق الثورة ، لذا فان ثورة تشرين لازالت مستمرة رغم مضي ثمانية أشهر على انطلاقها ، ولن تتوقف قبل تحقيق اهدافها في عراق محرر ومستقل باذن الله ...
0 تعليقات
إرسال تعليق