مبدر المشهداني
مررت بمدينتي الحبيبه نينوى التراث والتاريخ والتي عشت فيها أجمل أيام عمري من(٨٠_٨٤ كطالب كلية الهندسه ومن٨٨-_٢٠١٤ كمهندس ورب عائله)حيث رزقني الله في هذه المدينه الطيبه الزوجه الصالحه والاولاد البرره والعلم النافع والرزق الحلال والجاه واصدقاء غوالي.. (وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها.)
وانا أسير في شارع الدركزليه الشهير واستذكر سنين وأيام خلت وبعض الذكريات لوجوه واحباب واماكن؛ واذا تقع عيني على رجل مسن ملتحي احدودب ظهره وهو يدفع عربانه (بسطه) يساعده طفل لا يتجاوز عمره ١٣ سنه؛ يضع عليها فروات جمع (فروه) وهو ينادي ويكرر فروات؛ فروات للبيع؛ دفي نفسك.
توقفت أمامه...
ياالله... أنني اعرفه من ٢٥ سنه تقريبا انه الشيخ الجليل الذي كنا ندرس على يده كيف نقرأ القرآن الكريم؛ و أحكام التلاوه فهو يحسن القراءات وله من العلم الكثير.
ياالله.. اعتصر قلبي حقا. شيخنا الضليع باللغه والنحو والأحكام ويدفع البسطه بهذا العمر.
ياالله.. لقد كان له شأن فإذا قام قام الجميع. وإذا جلس لا يجلسون الا اذا دعاهم للجلوس.
فسلمت عليه وقلت له إلا تعرفني ياشيخي؛ فنظر نحوي مليا وقال انت الشيخ أبو عمر البغدادي.. المهندس (بالمناسبه كانوا بالموصل يسموني ابو عمر البغدادي وكنت افرح بهذه التسميه الا انها بعد ٢٠٠٣ أصبحت وبالا وبسببها تم اعتقالي من قبل الامريكان ودخلت السجن).
أعود إلى شيخي الكبير.. قلت له اخبارك شيخ..
قال:دخل داعش إلى الموصل وكما تعرف أنني اختلف معهم فهم فرقه ضاله خارجه عن الدين وقاموا باعدام ابني والد هذا الطفل لانه أيضا يخالفهم الرأي الا انه يجاهر احيانا بذلك فاعدموه وسلبوني داري وكل ما املك. ومنوا علينا أن تركونا أحياء؛ وخرجنا نازحين انا وزوجتي وبناتي وزوجة ابني وبناته وهذا حفيدي. وسكنا في خيام النازحين قرابة ٣سنوات.وسكن مقاتلي داعش داري؛ حيث اعتبرونا مرتدين كفار؛ ..
وعدنا الى الموصل بعد التحرير ولم نجد لنا شيئا يؤينا.
حيث دمرت دارنا أثناء تحرير الموصل واصبحت ركاما. فقمت باستأجار دار(خرابه) لايواء عائلتي. والان اشتريت هذه البسطه لاسترزق منها حيث اخرج متجولا من بعد صلاة الفجر حتى المساء لاسد بعض حاجاتنا والحمد لله. هذه قصتنا باختصار ياأبا عمر.
قلت له وما اخبار الدروس و أحكام تلاوة القرأن؛ وهنا نظر الى أغراضه على البسطه والى حفيده واجهش باكيا واحتضنته وجلسنا إلى الرصيف وبكينا بكاء طفلين معا..
بعدها أسترحنا قليلا..
(اخواني البكاء الصادق مريح للنفس)
وقبل ان اغادره دسست في يده مبلغ من المال؛ فرفض رفضا شديدا قائلا مازالت قدماي تحملاني؛ يوجد في هذه المدينه من هو مستحق اكثر مني بكثير ياأبا عمر ؛ وحاولت بشتى الطرق الا انه رفض(انه التعفف).
وذهبت إلى بيتي في حي النور؛ وانا حزين مذهول واتسائل؟
أين كنا واين أصبحنا ياشيخنا الجليل؟ .
أين كنا ياام الربيعين واين صرنا؟
وصلت البيت متعب مهموم؛ ولم ابدل ملابسي ولم اصلي بعد لا المغرب ولا العشاء وجلست افكر كيف اساعد هذا الرجل الذي له فضل على الكثير وانا اولهم.
اتصلت بصديق أثق به وقلت له اريد مساعدتك وحكيت له قصة صاحبي الشيخ.
قال كيف اساعدك؟
قلت تذهب له وتشتري الفروات التي عنده؛ على انك من اهل كركوك وتريد ان تبيعها في كركوك لتستفاد وتتاجر وتقول له اذا الله يسر ومشت الأمور على مايرام سوف اشتري منك كل كم يوم نفس الكميه الموجوده عندك وهي(عشر فروات).وبهذه الطريقه يقتنع انك تتاجر وليس مدفوع لمساعدته.
قال صديقي واين اذهب بالفروات : قلت له تبيعها في سوق الجمله وانا ادفع لك الفرق؛ المهم نساعد هذا الشيخ المسن.. قال حسنا فهمت.
واتصل بي صديقي وكنت قد غادرت الموصل الى بغداد وقال تم تنفيذ الخطه كما رسمت والحمد لله وفرح الشيخ وحفيده فرحا لايوصف وحمدا الله كثيرا وقالا إن الله رزقهما في يوم واحد بما يعادل شغل شهر واكثر... قلت الحمدلله.
(أيها الاحباب:من أعظم الطاعات إدخال السرور على قلب أخيك المسلم ؛ فكيف وان كانت بلا من ولا اذى).
وكرر الصفقه لخمس مرات وسافر صديقي في عمل خارج الموصل وعاد بعد عشرين يوم؛ وقد وجد الشيخ لديه فروه واحده وقال له موسم الشتاء و الفروات انتهى وبس ابيع هاي الفروه الباقيه عندي راح اشوف غير شغله ان شاء الله.
وبعدها كلفت صديقي بالمرور والبحث عن الشيخ في نفس المكان إلا أنه لم يجده.. وكلفته عدة مرات ولم يجده...؟؟قيل انه توفى وترك خلفه عوائل بلا معيل...
اصدقائي واخواني..
لا تنسوا ان الموصل مرت بكارثه انسانيه عظيمه وتحتاج يد العون.
..والان تمر هذه المدينه وغيرها بمحنه كبيره بسبب الوباء و ارتفاع الأسعار وبسبب ضعاف النفوس. (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين....).. ربي يحفظكم
0 تعليقات
إرسال تعليق