ابراهيم الدهش
رغم كل الظروف الصعبة وما لحق بشعب لبنان الجميل من ازمات سياسية واقتصادية ومالية وبيئية وتردي الخدمات بما فيها الماء والكهرباء والماء، ورغم هول الفاجعة الكبرى التي حلّت ببيروت، ورغم كل ما عصف بلبنان من مآسي واحزان، فإن الشعب اللبناني المنكوب ما زال يحب الحياة..
فمنذ اللحظة الأولى من وقوع الانفجار المهول الذي أتى على نصف بيروت وأحالها إلى أنقاض، نهض الشباب والصبايا مباشرة وسريعاً من وقع الصدمة المدوية، متطوّعين لوجه الوطن المغدور في أمنه وأمانه، عاملين على إنقاذ أرواح عاثرة الحظ محتجزة تحت الركام، باذلين أقصى جهد ممكن في انتشال ضحايا المصادفة الذين وجدوا هناك في تلك اللحظة الرهيبة المروعة.
وفي اليوم التالي، انطلق هؤلاء الأبطال من جديد بهمةٍ عاليةٍ وإيمان عميق بجدوى الوطن، على الرغم من كل النوائب، ممتشقين مكانسهم ومعاولهم وعشقهم غير المشروط لمدينتهم/ أمهم الذبيحة ظلما وإثما وعدوانا، يداوون وجع قلب مدينتهم الجريحة المستباحة على مرأى من العالم، تدفعهم فورة دم غاضب مقهور، وهم من يعانون من إحساس كبير بظلم ووجع من حولهم..
ويبقى الرهان على أبناء هذا الجيل الواعي الشجاع وبناته، وقد ملأ منذ زمن ليس بعيدا ساحات بيروت وازداد بعد الانفجار الاخير وانكشفت الحقائق لدى الجميع، لذلك صدح الشباب والصبايا بأصواتهم عاليا منادين باسم الوطن وإقامة مظاهرات سلمية حضارية، تدعو إلى التخلص من السلطة وتغير الواقع المزيف إلى واقع أجمل وأبهى. ورفع الغمامة السوداء ومحو الوجه الكئيب الذي ألت اليه معشوقتهم بيروت فتضامنت الشعوب العربية وتعاطفت مع بيروت وعبر الشرفاء في العالم العربي، وفي كل أرجاء الدنيا، عن الحزن لمصاب لبنان الكبير.
نتمنّى من كل قلوبنا الموجوعة على حبيبتنا، ست الدنيا بيروت، كما عبر عنها القباني
وتبقى بيروت مهوى حنين الشعراء بما فيهم شعراء العصر الحديث، وساحة للحضور الشعري الكثيف، الذي يتغنى بالحنين إليها وبالحياة فيها رغم المصائب التي أحدقت بها.
ومن هؤلاء الشعراء برز: السوري نزار قباني، والفلسطيني محمود درويش، واللبناني جبران خليل جبران، فكانت كلمات الأمس تحاكي أحداث اليوم..
كلمات شعرية مشحونة بالحب والأسى للمدينة التي عاشت في العقود الأخيرة أحداثًا مريرة.
وارتبط قباني بعلاقة خاصة ببيروت، حيث لقيت زوجته بلقيس مصرعها في التفجير الذي هز السفارة العراقية في بيروت، مما أسهم في تكوين صورة عاطفية مشحونة للشاعر السوري تجاه المدينة التي عاش فيها وأحبها وفقد فيها حبيبته.
ورثى قباني زوجته كما كان يتحدث عن بيروت قائلا.. سأقول في التحقيق.. أني قد عرفت القاتلين.. بلقيس.. يا فرسي الجميلة.. إنني من كل تاريخي خجول.. هذي بلاد يقتلون بها الخيول.. سأقول في التحقيق.. كيف أميرتي اغتصبت.. وكيف تقاسموا الشعر الذي يجري كأنهار الذهب.. سأقول كيف استنزفوا دمها".
وفي قصيدته.. بيروت والحب والمطر.. يقول قباني:
ليس للحب ببيروت خرائط..
لا ولا للعشق في صدري خرائط..
فابحثي عن شقة يطمرها الرمل..
ابحثي عن فندق لا يسأل العشاق عن أسمائهم..
سهريني في السراديب التي ليس بها..
غير مغن وبيان..
قرري أنت إلى أين..
فإن الحب في بيروت مثل الله في كل مكان..
الشفاء العاجل للجرحى والرحمة لأرواح الشهداء ونحن على يقين أن بيروت ستنبثق من رمادها كعنقاء فتية صاحبة الجمال
0 تعليقات
إرسال تعليق