موفق الخطاب


هنالك ثوابت في السياسة الأمريكية متفق عليها بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة وبين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأن لا يسمح أن تتخذ منها مادة للدعاية الانتخابية , ولن يتمكن أي رئيس مرشح أن يقفز لكرسي الرئاسة إلا بعد أن يتعهد بعدم المساس بتلك الثوابت أو عرقلة تقدمها بل يجب عليه وعلى حزبه الإقرار بها وتنفيذ ما يطلب منهما مع حدوث أي طارئ يعتري مسارها ,وهذه السياسة المرسومة بدقة يقف ورائها دهاقنة البيت الأبيض وبشكل أوضح الماسونية العالمية وهي من تدير ملفات العالم .

ولعل من أبرز تلك الملفات هو المحافظة على وجود الكيان الصهيوني ودعمه بكل أشكال الطرق وكل ما من شأنه أن يجعلهم قوة رادعة مهابة ورفدهم بأفضل أنواع التقنية التكنولوجية والتسليح والدفاع عنهم في كل المحافل الدولية وإسكات أي صوت أو إدانة بالوقائع التي تثبت انتهاكاتهم لحقوق الإنسان, والوقوف سداً منيعاً في مجلس الأمن الدولي ومنبر الأمم المتحدة ضد أي قرار في إدانتها وتجريمها , ولا أخفيكم سراً إن قلت لكم بأن أي نظام أو دولة في المنطقة يساند هذا التوجه في الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني سيكون بتحصيل حاصل ضمن الخطوط الحمراء وضامن لبقائه وعلى جميع رؤساء أمريكا إاداراتها المتعاقبة الحذر من الاقتراب منهما وهما في مأمن من الإنقضاض عليهما حتى وإن ظهر للعيان العداء الظاهري في التصريحات الجوفاء , ذلك من أجل أن يستكمل الهدف إلى نهايته وتفادي انهيار المخطط الكبير في منتصف الطريق بانهيار تلك الأحزاب والأنظمة المساندة له , كما يحلم أو يتصور البعض بالطريقة التراجيدية التي يوهم بعض الكتاب جمهور القراء من قرب نهاية النظام والحزب الفلاني , والأمر الوحيد الذي قد يُفشِل هذا المخطط ويجعل الولايات المتحدة عاجزة أمام الحفاظ على تلك الأنظمة هو وعي الشعوب وتحركها البركاني في اقتلاعها ..

.. 

بعض من تلك الأنظمة والأحزاب فهمت تلك السياسة واستوعبتها تماماً واتسقت معها من أجل الحفاظ على وجودها أطول فترة ممكنة واستيلائها على السلطة رغماً عن أنف شعوبهم باستخدام أعلى درجات القسوة والبطش وسط سكوت عالمي مطبق, وبعضهم ما زالوا متمسكين بثوابتهم مستمدين العزم من شعوبهم ويتعرضون لضغوط شديدة ربما يأتي عليهم يوم تتقطع بهم العرى الوثقى.

ولا أريد أن أتشعب كثيراً فالحوادث المتلاحقة اليوم في منطقتنا العربية تدور في نفس الفلك الذي فصّلناه أعلاه.

وربما سنتناولها في مقالات في قادم الأيام لكننا سنتناول اليوم

الدور الإيراني في خدمة الكيان الصهيوني:

فمنذ انقلاب الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الأوربي على نظام الشاه رغم تطابقه مع الغرب في التفاهم ودعم الكيان الصهيوني لكنه ثبت لديهم أنه لا يصلح أبداً في قيادة المرحلة المقبلة في تكوين ملامح العدو العقائدي للعرب و البديل للكيان الصهيوني .

فبعد أن رفض الشارع العربي أول تجربة تطبيع بين الكيان الصهيوني ومصر في اتفاقية كامب ديفد عام 1978

كان لابد أن يكون هنالك خطة محكمة لتطويع الشارع العربي بزرع نظام ديني متطرف يعتمد العقيدة منهجاً ويكفر كل المخالفين ويجتثهم ,خصوصا أن البديل كان قد أُعد وأُنضج في دوائر المخابرات الفرنسية والأمريكية ولم يستغرق فترة الانتقال سوى أسابيع ليبدأ عام 1979 ومن طهران عهد وحكم ديني جديد غيَّر معالم المنطقة بأسرها , ومن ثوابته تصدير ثورته خارج الحدود لدول الجوار مبتدءاً ببث خلاياه فيها فإن فشل بذلك افتعل الحروب والدسائس فإن تعثر فبالتحالفات والخديعة وتأسيس المليشيات وفرق الاغتيالات !

وأن ينقل ساحة المعركة في أكثر من موقع لإضعاف العدو وتشتيت جهده وإلهائه عن أي هدف آخر .

وهذا السيناريو طبق مع أول يوم أطيح به بنظام الشاه وتم تنصيب قائد الثورة المزعومة الخميني واستمر بعد تولي الزعامة الخامنائي وانفجر وتشظى بكل الاتجاهات بعد احتلال العراق وهو مستمر يقذف بحممه كالبركان لغاية الساعة ,.مما ولَّد أجيالاً من الشباب العربي على مدى أربعين عاما ترسَّخ في أذهانهم أن العدو الأول للأمة العربية هو النظام الإيراني وليس الكيان الصهيوني ومما ساعد على ذلك الإعلام المضلل الذي يتعمد بإغفال جميع جرائمه ,وذلك لما خلفوه من قتل ودمار وخراب في الدول التي اجتاحوها , وأن إجرام وانتهاكات الكيان الصهيوني لم تتجاوز حدود دولة فلسطين مقارنة مع النظام الإيراني الذي طال دولا ومساحات شاسعة وشرد الملايين وعطل الحياة ومزق النسيج الاجتماعي ودمر الاقتصاد مما لم يترك أي وجه للمقارنة بينهما !!

وبذلك قدم النظام الإيراني خدمة عظيمة لحليفه الكيان الصهيوني ولراعي الإرهاب الأول الشيطان الأكبر أمريكا, مالم يتمكنوا منه لسبعة عقود مضت على الرغم من العداء الظاهري بينهما والمناوشات الفارغة بصواريخ الكاتيوشا من قبل مليشياته والتي لم تخدش إلا السياج الخارجي للسفارة الأمريكية في بغداد !!

وكذلك جعجعة الإرهابي حسن نصر الله الذي دمر بعمالته بيروت ومزق لبنان بأسرها وهو ينادي منذ عقود بزلزلة تل أبيب !!

يقابله التهديد الأمريكي بسحق النظام الإيراني ومحاصرته من جهة والسماح له من تحت الطاولة بالمضي قدماً في تطوير برنامجه النووي للوي ذراع الأمة رغم التظاهر بمعارضته والانسحاب من الاتفاق النووي ومن طرف آخر تسليمه مقدرات العراق وبسط نفوذه في سوريا وتهديده للبحرين وتدخله السافر في اليمن لتعويض خسائره ,وكل ذلك يوحي للبسطاء أن هنالك عداء حقيقي وأن على الأبواب حرب مزلزلة قريبة الوقوع لردعه ولإنهاء حكمه الرجعي, وأن الإرهابيين نصر الله و المالكي والخزعلي والعامري وأبو فدك والحوثي والعشرات من قادة مليشيات سيتم حصد رؤوسهم على طريقة قاسم سليماني الذي انتهى دوره وأصبح في حينها يشكل خطراً حتى على الولي الفقيه فتم الاتفاق على تصفيته هو وساعده الأيمن مهدي المهندس وتم ذلك وبسرية تامة !!

فلا تذهبوا بأحلامكم بعيداً ولا تعولوا على أمريكا في إحداث أي تغيير مرتقب ولا تسمعوا لمن يشوش عليكم , فالتغيير تصنعه الشعوب فقط لا أعداء الشعوب .

فاليوم وبعد الذي أحدثه نظام الولي الفقيه انحرف تفكير أغلب الشباب العربي واختلف تماما عن مواقف آبائهم وأجدادهم الراسخ من معاداة الصهيونية فكراً ومنهجا فهم للأسف ولما قاسوه لا يحملون أي حقد أو ضغينة تجاه الكيان الصهيوني وأصبح الطريق أمامهم مُعبّد تماما لمد الجسور معه وبأريحية دون تردد ,فلا تتعجبوا من مشاهدتكم وسماعكم الترحيب بهم !!!!

, وهذا ما دفع وسيدفع بعض الأنظمة للهرولة والركون إليه في اتفاقيات دون توجس من الشارع !!

لكن ما زال الطريق طويلا لإنجاز كامل المهمة وما زال أمام النظام الإيراني الكثير فلا يتوقع أحدكم أن تقدم أمريكا ولا تل أبيب بإنهاء الدور الإيراني وأذرعها في المنطقة ولا مهاجمتها ولا تقليم أظافر مليشياتها وإنهاء دورهم في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفي مقدمتهم حزب الله الإرهابي وزعيمه حسن زميرة .. وللحديث بقية....