دكتور سامي الزيدي


تتعدد عوامل ظهور الثوار في المجتمعات بحسب أهدافهم ونواياهم، ولعل الكثير منهم عندما يخرج على السلطة او النظام القائم تظهر لديه رغبة عارمة بالإصلاح واستبدال النظام بنظام عادل وإسقاط الاستبداد والتعسف. ظانا بنفسه انه خارج من أجل الجماهير باذلا نفسه لإصلاح أحوالهم.  واغلب أولئك الثوار وليس كلهم هم من الفقراء والمعدمين والذين عاشوا حياة قاسية، أو أن بعضهم من الطموحين والمغامرين الذين يجدون في أنفسهم رغبة للسلطة والحصول على المكانة والارتقاء بسلم الطبقات الاجتماعية، والبعض الآخر تجده ناقما في ذاته على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ويعتقد أن تغيير وضعه لا يتم إلا عن طريق الوصول إلى السلطة والحصول على المغنم.
يعيش الثوار اول الثورة حماسة عالية وانفعال منقطع النظير، فالثائر يقترب إلى الجماهير ويصبح جزء منهم يتحسس المهم ومعاناتهم حتى انهم يشعرون بحرقة نفسه وبكائه المستمر على الجياع والمحرومين فيضع بين أعينهم حلما ورديا واملا بالحصول على حياة أفضل وأجمل تتوق لها أنفسهم المحرومة. فتهرول الجماهير نحو ذلك الثائر وتلتف حولها تناضل بحماسة شديدة وتدفع عنه الموت بنفسها فيموت الفقراء والمعوزين وتمتلئ بهم المعتقلات ويبقى الثائر يتجول باحثا عن الفرصة مسيجا باتباع اشداء مؤمنين بالتغيير على امل ان تتغير حياتهم نحو الأفضل
وبعد أن يحصل ذلك الثائر على غايته ويحقق أهدافه ويعتلي السلطة تتغير بالتدريج شعاراته الرنانة الطنانة. ويبدأ يمارس السلطة بعقلية المتسلط وليس بعقلية الثائر الذي تحتم عليه معطيات السلطة وقرارات المحيط السياسي اتخاذ قرارات أكثر المتضررين منها أولئك الفقراء الذين كانوا حطب تلك الثورة التي حققت أحلام الثائر ونقلته من محيط الفقراء إلى محيط الأثرياء، كما ان الثائر الذي كانت غايته تغيير أوضاعه الاجتماعية الاقتصادية ، تتغير ثورته بشكل عكسي إذ يبدأ ثورته على الفقراء بغية التخلص من ملاحقة التاريخ البائس له وإعادة إنتاج تاريخ جديد يغازل به الأثرياء وأصحاب الوجاهة لكي يتخلص من غمزهم ولمزهم له ، فيتقرب لهم ويتقربون له ويصبحون حاشيته ومناصريه فيطلق يدهم فينهالون على أولئك البائسين تجويعا وظلما لتعود الحياة تعسة كما كانت وتظل عجلة الفقر تدور في عقول المحرومين بانتظار ثائر آخر يصعد أكتافهم من جديد
اما أولئك الثوار الذين يخرجون وهم محملون بأوجاع الناس وهمومهم فيثورون بحرارة الألم والوجع ليس لهم غايات يحققونها سوى تغيير حال المجتمعات نحو الأفضل بصدق فتجدهم دائما في أول الصفوف فأما ان يقتلوا او يعتقلوا او يعدموا، لأنهم لم يضعوا في اهدافهم السلطة واقتناص الفرص والعمل من اجلها فهم مشروع استشهاد من اجل التغيير، لا مشروع سلطة، ولعله يندر ان نجد أولئك الثوار الحقيقيين، وان وجدوا فهم قلة يسجلهم التاريخ نماذج فذة. وحتى ان وصلوا إلى السلطة فأنهم ليسوا طلابها ولا ممن يتشبث بها. وسرعان ما ينقلب عليهم أصحاب المصالح الذي يزامنونهم ويشاركونهم الثورة فيقتلونهم لتعود صفحة الحرمان من جديد ويتكرر مسلسل الحياة الذي لا ينقطع.