جمال نوري
ضمن مسابقة اتحاد الادباء والكتاب في العراق _المركز العام. لدعم المواهب الشابة وتحفيزها على خوض مضمار الأدب حصدت رواية سمية علي رهيف _في حضرة لوسيفر _الجائزة الاولى واستقبل الوسط الادبي هذه المبادرة اللافتة بعين التقدير والثناء ..تنهض هذه الرواية على ثيمات متعددة تكاد ان تصب في جدل البشرية وصراعها بين الخير والشر ويتجسد ذلك بين الشيطان المتمثل بالشر كله والله منبع الرحمة والخير ومدى انعكاس ذلك على شخصيات الرواية التي تنوعت من حيث اهميتها وتأثيرها في دراماتيكية الاحداث فمنها الشخصيات النامية والساندة والمسطحة ويمثل( سيف ) الشخصية النامية التي خاضت التحولات والصراعات التي نهض بها صفاء وازهر وهي الشخصيات الساندة التي كان ينبغي ان تتبنى دورا اكبر في جدلية الصراع المحتدم في دواخل سيف المتشظي بين سطوة الشيطان والعودة الى طريق الخير ..لقد قدمت لنا سمية شخصيات اخرى مثل حرب ونصيبة وما تجشماه من عناء تغيير شخصية سيف نحو الخراب والامتثال لهيمنة ابليس وما كان يملكه الخال حرب من اقنعة تنكر بها اهلته لان يحظى بمكانة اجتماعية راسخة وحظوة كبيرة لدى المتنفذين والناس ..ويبقى سيف محتارا ازاء افعال خاله حرب وعلاقاته الشيطانية وازاء الرموز التي لطخت جدران البيت (وهذا ما أطلعني عليه معلمي اليوم بانه هو من رسم هذه الرموز على الجدار ،شيء خاص بينه وبين ابليس).
ولن يتوقف الامر عند العدد والاشياء التي كان يستخدمها حرب في تمائمه وطواطمه ورقياته السحرية التي كان الناس يتهافتون على الحصول عليها لقاء مبالغ طائلة بل تعداه الى حديقة او فناء مخفي يربي فيه حرب الخنازير التي يستخدم دمائها واجزاء منها في مشغله السحري وكان يستعين بسيف ونصيبة في الذهاب الى المقبرة ايضا والرواية بعد هذا وذاك تبدو وكأنها كرست حركات شخصياتها وتناميها لأعداد حفل ضخم يحضره الشيطان ووجهاء وشخصيات مهمة في المجتمع ممن يدينون بالولاء للشيطان حيث يصف المكان سيف قائلا(هذا المنزل يخفي تحته قبوا عملاقا بحجم مساحة البيت ،فيه ما تشتهيه نفس الساحر من ادوات السحر ووسائله. كلفني خالي بغمزة من عينه الى القبو ان اهبط اليه واجلب له (عظم خنزير ودهنه وامعاءه)، فمذ يوم عرفته تعلمت منهجه في البيان، فهو غالبا ما يحادثني بكلمات مقتضبة.)
ان العوالم التي تقحمنا في مغاليقه الروائية سمية علي تنطوي على غرابة ومصداقية عالية في نقل تفاصيل هذه الانشغالات التي بدأت في وقتنا الحاضر تمارس مهيمناتها مكرسة مفهوم الجهل والتخلف كوسيلة لاستدعاء مصائر الكثير من الناس وزجهم في مجاهيل الشر وتبعاته .تنتقل الروائية بين ضميري السارد الذاتي والراوي العليم وتوظف في ذلك لغة سردية ثرة وها هي ذي تتحدث على لسان المرأة العجوز نصيبة (ان الانسان هو من يرسم حياته كما الوشم وهو من يختار نهايته وكما ان للوشم ألم كذا للحياة نفس الألم ،في بعض الاماكن يكون الألم مبرحا مثلها في بعض المواقف يكون الألم لا يطاق ،ان اردت العيش عليك ان تناضل ألمك فكما تعجب بشكل الوشم في النهاية ستعجب من تأريخ حياتك المرسوم خلفك بعد ان يمضي).
ثمة تفاصيل كثيرة عنيت بها الروائية واسهبت في ذكر تفاصيلها مستعينة بخبرة اكتسبتها من التقصي والقراءة لاستغوار تلك العوالم المسكوت عنها في احالاتها ولغة التشفير والايماءة التي اكتنزت بها الرواية ويصبح سيف في النهاية القربان الذي يضحى به من اجل الشيطان حيث ينظر في الخاتمة الى المرآة ولا يرى شيئا ..في النهاية ثمة ملاحظات تتعلق ببناء الرواية وضعف تشكيل وصياغة بعض الشخصيات وملاحقتها عبر النسيج الدرامي للمبنى الحكائي الذي تجلى بمتانة سبك الروائية وتوظيفها للغة سلسة وتفعيل دورها في مشغل الكتابة الروائية مفعلة كل التقانات الفنية الموظفة في بناء الرواية الفنية.
0 تعليقات
إرسال تعليق