فاروق يوسف


لا يزال بوتشيلي ضروريا. إنه رسام عظيم. غير أن الأهم من ذلك أنه عرف كيف يُغري العصور لكي تكون عصرا واحدا. وذلك ما يستند إليه فكر ما بعد الحداثة.

النظر إلى لوحات بوتشيلي ضروري لكل رسام

كنت أتوقّع أنها لا تزال تنظر من النافذة إلى الجسر العتيق. بياتريسا هي حبيبة دانتي مؤلف الكوميديا الإلهية حين كتب لي صديقي الرسام زياد دلول “بوتشيلي ينظر هو الآخر من النافذة”، وهو يقصد متحف أوفسي في فلورنسا.

أعتقد أن رؤية “الربيع” و”فينوس” لبوتشيلي هي حلم كل رسام. شيء مربك جعلني أطيل الوقوف أمام اللوحتين لأعرف السبب. ربما كانت الدعاية أكبر من الواقع.

في لحظة وقوفي الأولى أمام الربيع اكتشفت أنني كنت على خطأ. واعتذرت من الرسام الذي عاش أعظم اللحظات في تاريخ البشرية. لحظة انفصال عصر النهضة عن العصور الوسطى.

النظر إلى بوتشيلي ضروري بالنسبة إلى كل رسام. متعة أن تكون رساما، ذلك أولا. وثانيا لأن تكون رائدا في التحول الحضاري. يمكن النظر إلى تلك اللوحتين باعتبارهما من نتائج مختبر تجريبي. لا يزال الجمال ينعش قدرتيهما على تخطي الأزمنة.

سيكون الجميل جميلا دائما. ذلك درس يتعلمه الرسامون المعاصرون من رسام كان مؤمنا بأن في إمكان الرسم أن يخترق العصور ليجعل منها عصرا واحدا هو عصره. بوتشيلي الذي مهّد لعصر النهضة برسومه لم ينقطع عن الأساطير الرومانية. كان مسيحيا ووثنيا في الوقت نفسه. حقيقته تكمن في نزعة استعلائه على ما هو شائع وعادي من الأفكار. إنه لا يقلّد أحدا حتى لو كان ذلك الأحد أميرا من أبناء السلطة المتنوّرين.

لا يزال بوتشيلي ضروريا. إنه رسام عظيم. غير أن الأهم من ذلك أنه عرف كيف يُغري العصور لكي تكون عصرا واحدا. وذلك ما يستند إليه فكر ما بعد الحداثة.

سيكون بوتشيلي ملهما بقدر ما يكون سببا للتحرّر من الانتساب إلى عصر بعينه. من المؤكّد أن آخرين كانوا قد رسموا أفضل منه وكانوا متمكنين من التقنية أكثر، غير أن أحدا منهم لم يصل إلى مستوى ثقته بقدرة الرسام على أن يكون سيّد عصوره.

ذلك ما يفكّر فيه الرسام المعاصر. وهو ما يجعلني أنظر إلى بوتشيلي باعتباره رساما معاصرا.