هيثم الزبيدي
لا مجال للعقد في عصر مليء بالتحديات كعصرنا هذا. لا عقد إسرائيلية ولا إيرانية ولا إقليمية، والسلطان هيثم لديه فرصة لأن يعدل ويغير مدعوما بحقه في أن تكون له سياسته الخاصة.
لا مكان للعقد
لا عقد عُمانية من موضوع العلاقة مع إسرائيل. فقد سارعت السلطنة في الترحيب بالاتفاق البحريني الإسرائيلي في بيان كان من الواضح من طريقة توزيعه وبثه أن مسقط تريد أن تمهد الطريق لنفسها للدخول على مسار التطبيع الخليجي مع إسرائيل وهو المسار الذي أطلقته الإمارات.
متى ستأتي الخطوة العُمانية؟ لا يزال الأمر في مجال التكهنات، ولكنها لا تبدو بعيدة. ومع خلفية للتواصل مع إسرائيل وقيادتها من عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، فإن القيادة العُمانية الجديدة تتعامل بانفتاح مع الفكرة.
العقد تكمن في مكان آخر. في العلاقة مع إيران.
كيف سيتعامل العهد الجديد مع إيران؟ فالسلطان هيثم بن طارق يخطو خطوات انفتاح واضحة. وجاءت التغييرات الأخيرة في الحقائب الوزارية لتعطي إشارة أولية، لكن قوية، عن مسعاه لأن يضع لمساته مبكرا على جميع الملفات. ولعل التغيير اللافت كان في وزارة الخارجية عندما استبعد الوزير المخضرم يوسف بن علوي. بن علوي كان تجسيدا لدبلوماسية عُمان الهادئة، لكنه كان أيضا من رموز عقد السياسة فيها.
في لقاء جمعني قبل سنوات بوزير الخارجية السابق في مسقط، بعد استضافة من وزارة الإعلام بمناسبة انعقاد مجلس عُمان، سألت يوسف بن علوي عن لغز العلاقة القوية مع إيران. كان جوابه مثيرا للاستغراب. كنت أنتظر ردّا ضمن الردود الدبلوماسية العامة لرجل خبر العمل السياسي لعقود. لكن الوزير أجاب “إن لإيران فضلا علينا في السبعينات، فقد ساعدت في مواجهة التمرد ضد الحكم ومحاولة الانفصال”.
ثمة عقدتان مركبتان في الردّ. لا أعرف بأيّ مسطرة كان الوزير العماني يقيس العلاقة مع إيران، لأن إيران السبعينات هي إيران الشاه، ولا يمكن بأيّ حال القياس على ذلك العصر واعتبارها نفس إيران الخميني وخامنئي. نحن لا نتكلم هنا عن دولة غربية مثل بريطانيا حيث الثبات في العلاقات الدولية لا يتأثر كثيرا بتغيير الحزب الحاكم بين محافظين وعمّال. إيران ما بعد 1979 لا علاقة لها بإيران الشاه. لعل القاسم المشترك الوحيد بين العصرين هو المطامع الإيرانية. كانت شاهنشاهية وصارت بمسمى تصدير الثورة. كانت بقبعة شرطي الخليج، وصارت مشروعا إقليميا اجتاح المنطقة على مراحل بعد أن هدّد استقرارها منذ يومه الأول.
العقدة الثانية شخصية. الوزير كان ينتقد التمرّد ضدّ الحكم ويشيد بدور إيراني في مواجهته. الوزير نفسه كان من ضمن المتمرّدين الداعين إلى انفصال ظفار، ولا نعرف إن كان القصد من الإشادة مراجعة ذاتية أم تَمَشِّيًا مع ما يريد الحكم أن يقوله عن تلك المرحلة العصيبة من تاريخ عُمان الحديث.
صحيح أن الوزير السابق كان من أوائل المنشقين على حركة التمرّد الانفصالية، بعد استلام السلطان قابوس للحكم إثر الانقلاب على والده السلطان سعيد بن تيمور عام 1970، لكن هذا لا يعني شطب تاريخه الانفصالي. البراغماتية السياسية شيء والقناعات شيء آخر.
لا نريد الدخول في تفسير العقدة الأولى، فأبعادها الإقليمية مرتبطة بالحساسيات العُمانية التقليدية من ضغوط السعودية في مرحلة من المراحل على الحكم والاستقرار. حركة التمرد الإمامية وثورة الجبل الأخضر وقضية واحة البريمي وصولا إلى ملف محافظة المهرة، كلّها حاضرة في الذهن السياسي العُماني، وهو يفكر في قوة إقليمية توازن الضغط السعودي. عمر العقدة يمتدّ إلى أكثر من نصف قرن، وقد تغيّر الكثير خلال هذه الفترة لكن العقدة استمرّت بفرض حضورها. ربّما إلى اليوم. وهنا ينبغي التساؤل إن كان الوقت قد حان لمواجهتها.
العقدة الثانية شخصية، نتركها لصاحبها.
السلطان هيثم بن طارق يبدو عازما على فتح صفحة جديدة. إيران مثلا تتصرف بدوافعها السياسية والاستراتيجية الذاتية، ولا يمكن الاعتقاد للحظة بأن قيادتها تضع في اعتباراتها رأي الأصدقاء. السعودية اليوم ليست سعودية الماضي القريب، وتبدو أكثر انشغالا بمشروعها للإصلاح الداخلي. الأزمات الإقليمية استنزفت المنطقة، وجاءت أسعار النفط ثمّ وباء كورونا كإشاراتي إنذار خطيرتين لصعوبة القادم.
العُمانيون الشباب ينظرون إلى بلدهم أكثر من اهتمامهم بما يجري من حولهم في الإقليم. ثمة ملمح استقرار واستمرارية مهمّ أيضا، هو إسناد منصب رفيع وبارز لابن السلطان السيد ذي يزن بن هيثم. ابنا السلطان قريبان من والدهما وسنراهما أكثر وأكثر في عملية الإصلاح الداخلي التي يقودها الأب بجدية واضحة. ثمّة إشارات مؤكدة إلى القطيعة مع حالة الجمود التي ضغطت على الإدارة الحكومية والمجتمع في عُمان خلال السنوات الماضية، حتى في الفترة التي سبقت مرض السلطان قابوس.
لا مجال للعقد في عصر مليء بالتحديات كعصرنا هذا. لا عقد إسرائيلية ولا إيرانية ولا إقليمية. والسلطان هيثم لديه فرصة لأن يعدل ويغيّر مدعوما بحقه في أن تكون له سياسته الخاصة، وبالحاجة إلى إجراء الإصلاحات للتأقلم مع الواقع الجديد.
0 تعليقات
إرسال تعليق