د.طورهان المفتي
يمكن تعريف الاخلاق (Morals)كمصطلح بانها تلك الصفات والقيم الانسانية العليا التي يتصف بها الفرد ويميزه عن بقية الكائنات مثل صدق الحديث والوفاء و النخوة كمنطلقات انسانية اضافة الى مجموعة قيم واسس سامية تكون ضمن تقسيمات ومحتويات الاخلاق مضافا اليها من قبل الديانات والمعتقدات ولتكون بمجمل هذه المميزات والسلوكيات ما تسمى بالاخلاق وحيث هي كلمة جامعة لمفردة الخُلق وليس الخَلق, فعلى ما ذكر اعلاه تكون الاخلاق ذات مبعث داخلي لدى الفرد وينعكس في تعاملاته المجتمعية،كما يمكن تنمية الاخلاق الى مستويات اعلى من خلال وجود مبدأ التأسي واتباع الافضل وعلى هذا الاساس تكون الاخلاق ذات داينميكية فردية .
في حين تكون الاخلاقيات (Ethics)مختلفة كليا عن ماورد اعلاه من مفهوم الاخلاق .فمصطلح الاخلاقيات تطلق على تلك الاسس والمبادىء التي من خلالها تتم المساهمة في ادارة مجتمعية مؤسساتية ما او اي قطّاع حياتي ،مثل اخلاقيات المهنة والتي هي اسس مزاولة مهنة معينة وكذلك مثل اخلاقيات الفرسان والتي هي اسس الحرب النظيفة كالمحافظة على الاسرى وقبول السلام وعدم استخدام اسلحة محرمة و و و الخ ،بالتالي فان الاخلاقيات هي لادارة مجتمعية اساساً ولا تظهر هذه السلوكيات واضحة ضمن النطاق الفردي.ولايمكن تغيير الاخلاقيات كما هي الحال في الاخلاق ذلك ان الاخلاقيات هي اسس وادوات مثبتة وفق المؤسسات والمجتمعات المستخدمة لتلك الاخلاقيات .
ان عدم التمييز بين الاخلاق والاخلاقيات يجعل الفرد والمجتمع في ارتباك من حيث التعايش السليم ،كما وتنعكس حالة عدم التمييز في اتخاذ القرارات الحتمية وخاصة تلك القرارات التي تخص الادارة المجتمعية وذات المغزى المؤسساتية ذلك ان بعض القرار قد لا يتوافق مع الاخلاق في جزئياته ولكن يتطابق في الرؤية الاجمالية وبذلك نجد ان التفريق بين المصطلحين ضرورة حتمية لادارة مجتمعية سليمة ومستقرة .
ولعل القارىء لهذا المقال سوف يبادر على نحو سريع بتفضيل الاخلاق على بقية المصطلحات الاخرى وذلك بسبب نوعية النشأة البيئية والتي توجب ذكر مصطلح (الاخلاق ) في كل زاوية من زوايا نشأة الفرد ليكون هذا المصطلح مرآةً لجميع الفعاليات والانفعالات اليومية (وهذا صحيح جدا ولكن ضمن التقييم الشخصي للفرد والتعاملات التي لا تحوي على ابعاد مختلفة وامتدادات غير محددة ) ،إلا ان هكذا مفهوم يعتبر غير متكامل ولايمكن عكسه على مسار مجتمعي او مؤسساتي سليم .
من الامثلة على هذا الموضوع والفرق بين المصطلحين هو التعاملات المالية فالمعروف ان السلوك الاخلاقي مبني على نبذ الفائدة الربوية للايداعات المالية وتحريم ذلك طبقا للشرائع الدينية ، الا ان اخلاقيات المهنة المالية والمصرفية بصورة خاصة تبيح ذلك كجزء من الارباح السليمة التي تعظم بها راس المال وتعود بالفائدة للمؤسسة المصرفية وعلى هذا الاساس تستمر تلك الاطراف الحكومية وغير الحكومية بالتعاملات المالية ذات الفوائد الربوية معممين بذلك الفائدة العامة في الاخلاقيات على نقض الاخلاق لتلك الحالة . اخيراً وليس اخراً فانه يمكن تجزئة الاخلاق ولكن لايمكن تجزئة الاخلاقيات كونها نظام متكامل ضمن اختصاصات معينة.
الحكومات و الاخلاق والاخلاقيات
ولدت الحكومة العراقية الحديثة بعد احداث ٢٠٠٣ والاجتياح الاميركي للعراق وصولاً الى اسقاط نظام صدام و انتشار الفوضى وفقدان الثقة بين مختلف مكونات البلاد ومحاربة بقايا البعث وعمليات الاجتثاث ،ومع كل تلك الاحداث سواءاً المترابطة كانت ام العشوائية فقد ادت الى عدم توضح الرؤية من مجمل تلك المجريات (السياسية -الاجتماعية )اخذين بنظر الاعتبار وجود تأييد وشجب او دعم ورفض لتلك الاحداث بتفاصيلها او اجماليها والتي كانت من افرازات الحرب في ٢٠٠٣ والتغيير للنظام انذاك .
فقد شاركت جميع تلك المتغيرات اثناء وبعد سنة ٢٠٠٣ في الية تشكيل الحكومة الاولى من حيث كيفية اختيار الشخوص في قمة هرم ادارة البلاد والى اي مدى تم الاعتماد على الاهلية و الخبرة و التحصيل الدراسي اضافة الى ديناميكية الحكومة نفسها ( والتي جاءت اساساً كنتاج للاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت قبل احداث ٢٠٠٣ من قبل قوى المعارضة في تلك الفترة)
يمكن ان نقول ان حيثيات تشكل الحكومة العراقية الاولى بعد ٢٠٠٣ كانت لها اسقاطات على جميع الحكومات التي اعقبت تلك الحكومة من نواحي كثيرة ، هنا نود ان ننوه بان ما حصل لم يكن غريبًا على الساحة ،ذلك ان احداث ٢٠٠٣ وتعاقب التغييرات في المواقف الدولية والمحلية ما كانت لتنتج افضل مما انتجت في كل الاحوال لما للدولة العراقية من تعقيدات كبيرة وكثيرة موغلة في العمق . الا ان استمرار تلك الاليات ادت الى حصول تعثر في كثير من مفاصل الدولة العراقية وتلكؤ للمشاريع ( ولا تتحمل الحكومات هذه الاخفاقات في الية التشكيلة ذلك ان شروط تشكيلة الحكومات المتعاقبة كانت بتلك الخطوات القاسية) .
ان كل ما سبق جعل من الدولة العراقية تعاني من تقديم الاخلاق على الاخلاقيات ليسمو مصطلح (خوش رجّال) على بقية المتبنيات الاخرى في اختيار اغلب الشخوص لادارة المؤسسات الحكومية ، واقتصر (خوش رجّال ) على ما يحمل الفرد من مفردات في الاخلاق دون النظر ان كان يمتلك او له المام في اخلاقيات تلك المهنة او المنصب المناط له ،وبذلك تعثرت المؤسسات من خلال تعثر ادارتها وقياداتها رغم ما تمتلك هذه القيادات من الاخلاق.
وهنا نؤكد ان الاختيار لايمكن ان يكون صائبا ايضاً في حال كان يحمل الفرد احد المصطلحين فقط ذلك ان كلا المصطلحين يكمل بعضه الاخر فمن خلال الاخلاق يتجنب المفاسد والعمل بها ومن خلال الاخلاقيات يقوم بالادارة المثلى بدون تخبط وعدمية الرؤية لمهامه وبذلك يكون هناك خطط ورؤى صحيحة للعمل المؤسساتي ومشاريعها مما تكون النتائج خالية التعثر والتلكؤ لتظهر لدينا مشاريع خدمية واستثمارية ومؤسسات ذات قيم علمية وعملية معتبرة .
وعلى هذا الاساس نجد من الضرورة بمكان قيام تلك الاطراف التي سوف تشكل السلسلة الهرمية التنفيذية للبلاد ان تعتمد في اختيار شخوصها ولجميع المفاصل التنفيذية على ذوات لديهم التكامل في عملهم بين الاخلاق والاخلاقيات لتتولد حكومة قادرة عملياً على الخروج بالبلاد من الازمات المتراكبة والمتراكمة فالتحديات اكبر من ان يتحمله افراد لا يتمتعون بخصال المصطلحين معاً وبغير ذلك سوف نجد سريعاً ان الاوان شارف على الانتهاء .
0 تعليقات
إرسال تعليق