حسين علي
جلسَ على كرسيه الفخم الذي يتوسط صدر القاعة متغطرساً، واضعاً ساقه على الأخرى، وبين أصبعيه سيجارته الكوبية ينفث دخانها بكبرياء في أجواء غلبت عليها طابع النشوة والاسترخاء، بينما الناس تملأ القاعة وفي أيديهِم كؤوس الكونياك، والأنظار تتجه إليه لسماع ما قد يقوله صاحب السعادة، الجالس على عرشه، ومن خلفه يقف مساعديه، في حين أخصر الجميلات تتمايل كريشة تطفُ بين نسمات الهواء.
موائد الطعام انتشرت في كل مكان حاوية ما لذ وطاب.
ذوائب الشموع المتلألأة كونَت تشيكلات زاهية نُقِشت في أرجاء المكان، مشهد اللؤلؤ الذي شكله لهب كل شمعة كون مساحات فنية ساحرة، الذي عكسته جدران القاعة الصقيلة المكونة من حجر خاص يعكس أشعة الضوء النافذ إليه.
أرضية المكان وضعت بصمتها أيضاً في رسم هذه المناظر بريشتها الخاصة، تموجات الألوان التي لقفتها الأبصار شكلت فضاءات هلامية، ومعالم خيالية في أنفس الحاضرين بينما هم مشدودين إلى طريقة ارتشاف صاحب السعادة لكأس من الكونياك، حيث يرجون فعل بسيط يحاكي حضورهم الغفير.
اقتربت إحدى اليافعات محاولة أن تلثم بشفتيها وجنة صاحب الفخامة، لكن أحد مساعديه حال بينهما، أومئ فخامته برأسه موافقاً لينال قُبلة تركت أثرها على خده وسط ذهول الجميع، وعطش الأخريات لذلك الحضن الدافئ والخد الناعس المتورد.
اتصفت نظرات وتأملات النساء إليه نظرة فارس الأحلام الذي يمتطي صهوة جواده الأبلق وسط روضٍ يعجُ بالأزهار، بينما يمد يده إلى حبيبته ليضمها إلى صدره ويتبادلا القبلات.
كلهن لم يكففنَ النظر إلى ذلك الفارس وجواده المحلق بجناحيه، تمنت كل واحدة أن ترفع كلتا يديها وتتشبث بأقدام فارس أحلامها أو حتى بحوافر حصانه. ذلك الشعور كان من نصيب النساء اللواتي حضرنَّ مع أزواجهن، فتواجد الأزواج أخذَ يصارع ذلك المشهد الذي تربع في مخيلتهنَّ محاولاً فرض سطوته، ومع ذلك كُنَّ يسرقنَّ النظرات إلى صهوة جواده، وهن يراقصنَّ أزواجهن ببسمة ماكرة، في حين رفت القلوب بعيداً عن الشفاه والأيدي.
رنَّ هاتف أحد مساعديه فأخذ يتكلم، بعدها دنا من صاحب الفخامة وقال بصوت خفيض..
-على الهاتف مدير عام شركات مرسيدس.
صاحب السعادة مقاطعاً...
-ما حاجته؟
-فخامتك إنه يَودُّ أن يدمج شركاته مع إحدى شركاتك.
باسماً فخامته بينما ينفث دخان سيجارته في فضاء المكان.
-ماذا أرد عليه وهو يطلب لُقياك.
صاحب السعادة متأففاً
-مشغول! ينطقها وهو يلتفتًُ إلى قدود الجميلات مع رشفة كأس من صاحبة القبلة.
لم يكن الحضور الهائل فقط داخل القاعة، بل تجمهرَ المدعوون في باحات القصر وفي الشارع الواسع المؤدي إلى بوابات القصر، فهؤلاء احتضنت جيوبهم وأيديهم بطاقات دعوة رمادية والتي لا تستطع أن تنافس البطاقات الصفراء المتواجدة في الداخل، كل المتواجدين في الخارج شُدت أنظارهم بذهول نحو الطائرة الخاصة والسيارات الفارهة بكل ألوانها التي خطفت الأبصار بحضورها الطاغي.
بين السيارات وحول الطائرة مشى الجميع بذهول وأبصارهم تحتضن ذلك الجمال اللامألوف لباصرتهم، لم يكن لأرضية الباحة نصيب من أعين المدعوين التي خطفها المشهد المهيب، رغم ذلك عيون الجميع لاهفة نحو بوابة قاعة القصر فتلكم البطاقات لم تسمح لهم بدخول مغارة علي بابا التي لطالما تخيلوها.
دوت صرخةٌ عمتْ المكان أنتفضَ سعيد فزِعاً من على حصيرته البالية وإذا بوجهه يتوسده نعال أمه قائلة بإنزعاج
-لماذا لا ترد عليَّ؟
أخرج إلى صاحب البيت الذي يكاد أن يخلع الباب مطالباً بتسديد أجرة البيت المتأخرة عاماً، مهدداً بتقديم شكوى للشرطة.
سعيد..
-ماذا؟! شهِقاً ثم تدلت هامته.
0 تعليقات
إرسال تعليق