بلقيس  خيري شاكر البرزنجي

في احدى ضواحي بغداد الجميله أشرقت الشمس بنورها الوضاء على زوايا قصر مدحت بيك صاحب مصنع الاقمشة، هناك حيث الخدم والحشم في قصره الذي يمتاز بالمسناة الواسعة وغرفهه المطلة على نهر دجلة وبأعمدته وقاعاته المبلطة بالرخام الابيض اشبه بقصر الأحلام. ينعم فيه مع زوجته وابنتهما مريم وابنهما الصغير احمد ، كانت مريم الجميله بعمر الزهور طويلة القامة ممشوقة القوام بعينين بلون الزمرد. ملامح وجهها هادئة وصافية ك صفاء قلبها.

في صباح يوم جميل ايقظت الام ابنتها
_مريم استيقظي لقد جهز الخدم الفطور..

استيقظت مريم وجلست مع عائلتها على مائدة الافطار العامرة بمختلف انواع الفطور الصباحي من القيمر والكاهي والعسل والجبن الابيض والخبز الطازج الساخن..  جلس الجميع يتناولون الفطور بهدوء وصمت قطعه حديث الام موجهه كلامها الى مريم : سيأتي اليوم الخياط ليأخذ قياساتك لخياطة الفساتين لك ..

بعد فترة وجيزة اتى الخدم يحملون الاقمشة الراقية والجميلة لتختار مريم منها ما يناسبها . وحضر مؤيد الخياط الشاب الخلوق والجميل والماهر في عمله انه الخياط الخاص بالعوائل المرموقة في بغداد . اخذ قياسات مريم واتفق معها على الموديلات السائدة في ذلك الوقت وكان عبارة عن سروال من الحرير مربوط عند الكاحلين وفستان طويل من الحرير وقفطان من قماش مطرز بخيوط ذهبية وحزام مزين بازرار ذهبية مطعمة بالمينا..
وكانت مريم تختلس النظرات وقد وقعت في دائرة سحره وأخذت تسرح بخيالها وهو يفصل القماش لاحظ الخياط الشاب  نظرات مريم المختلسة فبادلها بابتسامة خفيفة ولمعة عينين براقة... هنا خفق قلبيهما، لتبدأ قصه حب جميلة يتخللها الكثير من الألم..

أصرت مريم بعد أن اعجبتها خياطة مؤيد ان يبقى مؤيد يعمل عندهم في القصر.. وبذلك أصبحت تلتقي به كل يوم عندما يحل الليل في حديقه المنزل ليبثا اشجانهما وخادمتها تراقب المكان خوفا من ان يراهم احد، كانت مشاعرهم صادقة عفيفة وقصة حبهم عذرية .. ولكن نظرا لفارق المستوى الطبقي كان مؤيد يخشى ان يطلب يد مريم من ابيها مدحت بيك.

ولكن والد مريم كان قد وعد ابن اخيه ناظم بيك ان يزوجه مريم بعد رجوعة من السفر بعد اكمال دراسته في اسطنبول ..

ومرت الايام والعاشقان يزداد تعلقهما ببعضهما وتغمرهما المشاعر الفياضة النبيلة..
ولكن دارت الايام وحدث مالم يكن بالحسبان، فقد عاد ابن عمها من السفر وحضر الى بيتهم ليلتقي بعمه ليحدد موعد الزفاف، وعندما سمعت مريم بالخبر وقع على اسماعها وقوع الصاعقة وكانت صدمة كبيره لمريم ومؤيد.. ومرضت مريم مرضا شديدا وازداد تعبها ونحولها وعجز الاطباء من شفائها ومريم لاتتحسن طريحة الفراش لذلك تم تأجيل الزواج .. ولكن ابن عمها شك بحقيقة مرضها فأغرى خادمتها بالمال فكشفت امرها، فاصبح ابن عمها يراقب كل خطواتها، لذلك لم تعد قادرة على التسلل واللقاء بحبيبها فكانت تبكي بكاءا طويلا..
ولكن ابن عمها تملكته مشاعر الانانية والحقد والحسد وقرر ان ينتقم شر انتقام في سبيل ارضاء غروره وكبرياءه..
وحدث نفسه قائلا : اذا لم تكن لي فلن تكون لغيري. فما كان منه الا ان اتهم ابنة عمه بالزور والبهتان افتراءات ظالمة .. واتفق مع خدم القصر ان يشهدوا ضد مريم بعد ان هددهم واغراهم بالمال، ويخبروا مدحت بيك بان ابنته على علاقة غير شريفة مع مؤيد وتلتقي معه خلسة في حديقة القصر ليلا.. وقع الخبر على ابيها وقوع الصاعقة وزلزل الارض تحت اقدامه.. كيف ذلك؟ وابنته المصون ذات العفة والفضيلة قد احسن تربيتها ولايشك بتصرفاتها ابدا، كيف تخون الثقة وتنكس رأس ابيها وعائلتها؟ وفي لحظة غضب صعد الدم في رأسه واعمى بصيرته فقرر ان يغسل عاره ، اخذ السكين وتوجه الى غرفة مريم مع صراخ والدتها التي تتوسل به بان ابنتها بريئة، ولكنه طعنها عدة طعنات وسال الدم منها واصبحت جثة هامدة... وبحث عن مؤيد ليقتله ولكن مؤيد استطاع الهرب بعد ان عرف بالامر، وطلب ابيها من الخدم ان يدفنوها في مكان لايعرفه احد، كان مؤيد يتابع الامر من مكان قريب من القصر،...

وعنما حل الليل رأى الخدم يحملون الجثة ويخرجون بعيدا عن القصر في منطقة معزولة ليحفروا قبرا ويدفنوا مريم فيه
وبعد ان رحلوا حفر القبر واخرجها فاحس بنبض ضعيف جدا وانها لازالت على قيد الحياة، أخذها لبيته المتواضع الذي يسكنه مع أمه، وقام بعلاجها ورعايتها ، ولكنها من الصدمة فقدت النطق واصبحت خرساء.. وبعد ان استعادت عافيتها تزوجها على سنة الله ورسوله.
وبعد فترة من الزمن تعرضت خادمتها لمرض خطير، وهي على فراش الموت.. قررت أن تعترف لمدحت بيك ان ابنته شريفة  وهي فعلت هذا بعد أن هددها ناظم بيك واغراها بالمال.. وكذلك اعترف الخدم بشهادتهم الزور بعد ان اعطاهم مدحت بيك الامان.. ولكن مدحت بيك ظل يصارع مشاعر الحسرة والندم، ولات حين مندم.

وذات يوم التقى احد الخدم بمؤيد وقال له: ان الخادمة اعترفت قبل موتها بأننا شهدنا ضدكم، ونطلب العفو والسماح على ما بدر منا،  وان الاب قد عرف الحقيقة وهو نادم اشد الندم لانه قتل مريم البريئة...
ابتهج مؤيد لهذا الخبر وعاد مسرعا الى البيت، وقال لأمه: ساخذها الى ابيها. لكن امه خشت عليهم من غضب ابيها، فذهبت معهم، وعندما وصل القصر طلب مقابلة مدحت بيك لكن حراس القصر طردوه، وصادف ذلك خروج مدحت بيك من القصر وسمع صراخ الحراس وشاهد مؤيد مع فتاة ترتدي الخمار تشبه هيئه مريم خرج كالمجنون وابعد الحراس وادخلهم وهنا انصدم بعد أن نزعت مريم الخمار عن وجهها، اجهش بالبكاء وهو يحتضن ابنته ويطلب منها السماح.. وعرف الاب بشجاعة ومرؤة مؤيد وكيف انقذ ابنته من الموت، واخبر مؤيد بزواجهما، فبارك لهما الزواج واقام لهما حفل زفاف كبير،، واخبروا الجميع أن مريم شفيت من مرض الحمى الخطير  حسب ما اشاعوا ولم يخبروا احد بانها ميته وإنما اشاعوا انها كانت مريضه ويتم علاجها...

ليس الذنب في الحب الطاهر البريء ولكن كل الذنب في الطعن بأعراض الناس زورا وبهتانا وجزائه عذاب كبير في الدنيا والآخرة...