عبد الجبار الجبوري


لم يشهد العراق،عبر كل تأريخه الطويل،خطراً يهدّد وحدته أرضاً وشعباً،كالذي يشهده اليوم،بعد قرار المحكمة الاتحادية العراقية،بمنع اقليم  كردستان العراق، تصدير النفط والغاز، ومطالبتها بواردات النفط للسنين السابقة،وبغض النظر عن قانونية القرار من عدمه،والذي نرى صدوره في الوقت قراراً سياسياً بإمتياز،هدفه إبتزاز الأقليم وحكومته والحزب الديمقراطي الكردستاني،للضغط عليه للتراجع عن تحالفه مع الصدر، أو دفع ضريبة هذا التحالف ، مثلما تم ضرب بيت الحلبوسي  والكاظمي، لثنيهما عن التحالف مع الصدر ، فإن القرار قد أحدث هِزّةً كبرى ،في بنية المجتمع العراقي،بين مؤيد ورافض،وثبت أن القرار هو صراع سياسي، أكثر منه حرص على ثروات العراق، التي أهدرتها الاحزاب وفرهدتها منذ الاحتلال والى يومنا هذا،وتداعيات القرار أكثر من خطيرة،فقد صبّتْ المحكمة الاتحادية، التي تخضع للقرار السياسي،الزيت على النار، بدل إطفاء نار الصراع ،المتأجج أصلاً، على النفوذ وتشكيل الحكومة،بعد خسارة الإطار التنسيقي(الشيعي)،وظهور تحالفٌ مناهضٌ وندٌّ له ،هو تحالف الصدر-البرازاني – الحلبوسي،والذي إستخدم الإطار عدة أوراق لإفشال هذا التحالف  وتفتيته، عبر التظاهرات على بوابة الخضراء التي رافقها عنف وإغتيال وقصف بيت الكاظمي،او إقامة دعوة على نتائج الإنتخابات، وفشلها، وإقامة دعوات اخرى لإلغاء الإنتخابات وفشلت،ليأتي دور قرار النفط والغاز، ليقصم ظهر العلاقة بين الإقليم والمركز ويفجّرها، ومن هنا تكمن خطورة القرار،وتداعياته الكارثية، ليس على الأحزاب المتنفذّة ومَن يدعمها ويوجهها، وإنما على مستقبل وحدة العراق ،وتقسيمه بطلب الإنفصال عن العراق، الورقة التي يلوّح بها الاقليم، منذ الإستفتاء واليوم،والتي قد تكون أولى طلبات حكومة الاقليم،والحزب الديمقراطي الكردستاني،التي أخذ يلوّح بها،في بياناته ورسائله وإعلامه ،وعلى لسان قادته، وهي إما ورقة ضغط وتهديد، أو كحَلِ يراه للخروج، والتهرّب من تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية ،المُلزِم تنفيذه من قبل حكومة الإقليم ،ولكن ماهي تداعيات إستقلال الاقليم وإنفصاله على الطرفين (الكردي والعربي)،في ظل إنسداد سياسي قاتل لامَخرَج منه،وظِل صراع إقليمي ودولي ،طرفاه أمريكا وإيران ،على النفوذ في العراق،يقيناً الإنفصال ،الذي يلوّح به الديمقراطي الكردستاني،غير قابل للتحقق،بسبب غياب التفاهم والإتفاق بينه ،وبين حزب الإتحاد الوطني وقيادته ،وفي مقدمته برهم صالح،المُتحالِف مع الإطار التنسيقي ،وترفض فكرة الإنفصال جملةً وتفصيلاً في الوقت الحاضر،لغياب مستلزمات نجاحه،والدخول فيه يعدّ انتحاراً سياسياُ قاتلاً،ولكن إذا لم تجد حكومة بغداد وأحزابها ،حلولا توافقية(على الاقل وقتية)، لتأجيل تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية الى فترة اخرى،كما تم تأجيله سابقاً، فإن حكومة الاقليم ذاهبة حتما الى الإستقلال،دون أنْ تلتفّت الى تبعاته الكارثية، والتي دفعها الاطار التنسيقي دفعاً، لمآربه الفئوية،دون الإلتفات الى خطورة مايقوم به،تجاه الاقليم وحكومته،فإذا إنفصل الإقليم، وإنفرط عقد التحالف الصدري ،فإن الحلبوسي وكتلته سيطالب بإقليم حتماً، تخلصا من نير وإبتزاز أحزاب السلطة التي خسرت الإنتخابات وتدعمها بقوة إيران وفصائلها، فلم يعد للحلبوسي و(السِّنة )عموماً ،مكاناً في العملية السياسية ،سوى الذهاب الى (إقليم السنة ) ، الذي يلوّح به من زمان، الكثير من الشخصيات ،وبهذا سيصفو الجو للإطار التنسيقي وإيران، للتفرّد والاستفراد بالتيار الصدري وإسقاطه من العملية السياسية والتفرّد بها لوحده،أو إعلان الاقليم الشيعي، أو الحرب الشيعية- الشيعية، الحتميّة بهذه الحالة،كحلٍ أخير لمواجهة الخصوم لبعضها،للتفرّد بالسلطة ،هذا هو السيناريو الذي تخطّط له ايران، وينفذه الاطار التنسيقي،بعد فشل جميع محاولاته وإحتراق اوراقه الواحدة تلو الاخرى،ومنها زيارته لاربيل العامري وبعده المالكي، وإجتماعاته بالصدر والحلبوسي، لتتفكيك تحالف الصدر والحلبوسي والبرازاني، بالتهديد والترغيب دون جدوى، حتى أخرَج نوري المالكي من دولابه ( وهو الذي كان يهدّد به خصومه دائماً )،قانون النفط والغاز من الاقليم،ليهدّد به وحدة العراق ،إذن كيف يواجه الخصوم بعضهم بعضاً،دون أن يمسوا وحدة وسيادة واستقلال العراق،فوحدة أرض العراق خطاً أحمر،عبر العصور، وخسران من يطالب بتقسيم العراق، وتجزئته، فهو لايقبل القسمة والتقسيم إلاّ على نفسه، وهذه حقيقة تأريخية، يعرفها الجميع، ولكن دون غَمط حقوق الإقليات والمكونات والقوميات،وإبتزاهم وإستفزازهم،فهم عراقيون شاءوا أم أبو، لامكان لهم سوى تحت خيمة العراق، الوحيدة التي تحتضنهم بمحبتها وحنانها، ومن يتغطى بلحاف الأجنبي بالتأكيد(بردان)، العراق كان للجميع،وسيبقى للجميع، مهما حاول أعداء العراق، إستفزاز قومياته ومكوناته الاساسية،وسلب حريتهم وحقوقهم،فستفشل جميع هذه المحاولات،بوعي شعب العراق،بكل طوائفه وقومياته ومذاهبه،وعشائره ورموزه، مايعيشه العراقيون من تنمّر وعسف وظلم من الاحزاب التي تدعمها ايران،هو زمن غير عراقي،زائل ومؤقت،إستثناء وليس القاعدة،لأن القاعدة هي بوحدة العراق أرضاً وشعباً وسماءً،لم يعيش العراق منذ خلقه،بسمائين أو ثلاث سماءات،سماء العراق واحدة صافية تبقى، وإنْ بغا وطغا وتمرّد  الآخرون،مايجري الآن هو إبتزاز خصوم لبعضهم البعض،وكسر عظم بينهم ،من اجل النفوذ والسلطة ،يدفع ثمنها الشعب العراقي،نعتقد ونحن في لحظة تأريخية فاصلة، أن تؤجل (الخصومات)، ويؤجل تنفيذ قرار المحكمة لمرحلة تفاوضية، بعد تشكيل حكومة جديدة،وانتهاء مفاوضات مؤتمر فيينا مع ايران، لأن ايران ونفوذها في العراق، أحد حلول تشكيل الحكومة،وزيارات قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني دليل على التدخل المباشر، في لملمة البيت الشيعي،الذي خرج من عباءته السيد مقتدى الصدر ورفض بقوة وثبات العودة له ،رغم الضغوط والتهديدات التي مارسها ،ومازال يمارسها الخصوم عليه،أعتقد الصدر ماض في تحالفه للبرزاني، الذي هاتفه وطمأنه يوم أمس، في إشارة الى حلحلة وترويض قرار المحكمة ،لما بعد تشكيل الحكومة الصدرية، لأخراج الازمة من يدّ الإطار التنسيقي،الذي يعمل جاهداً لتنفيذ شعاره (لو ألعب لو أخرب الملعب)، وسوف لن يستطيع لوجود تفاهمات ومشتركات بين الصدر – البرزاني- الحلبوسي، والذي تلقى دعم الشعب العراقي،الذي ينظر على تصرفات الإطار بريبة وشك،على إعتبارها تهديد لوحدة العراق،فإذا أصرّ هذا الاطار التنسيقي على إثارة وإستفزاز الاقليم وتهديده بالقصف وغيره،فأنه الخاسر الاول، لأن مؤامرته هذه سترتد عليه،ويدفع ثمنها غالياً ،فبمجرد تشكيل حكومة أغلبية، التي تهدّد بفتح ملفات ،سقوط الموصل وسبايكر والفساد،وعندها سيكون رموز الإطار كلهم خلف القضبان، ووجهاً لوجه امام الشعب العراقي،الذي دفع أنهاراً من الدماء والتهجير والنزوح والشهداء،جرّاء السياسة الطائفية ،التي إنتهجتها الحكومات السابقة ،وخاصة حكومة نوري المالكي وعادل عبد المهدي والجعفري،فإذا لم يعالج قرار المحكمة الإتحادية بهدوء،ولن يعالج ،فإن الأبواب مفتوحة على مصاريعها لدخول العراق في النفق الأكبر ...