بقلم / ابراهيم الدهش


لا شك في أنّ العدو له اهداف وغايات يسعى لتحقيقها وكسب أعلى قدر منها بشتى الطرق والاساليب، إذْ كان يسعى سابقا لبسط القدرة العسكرية على الارض ومن ثم نشر افكاره ومعتقداته بالقوة والقهر حتى سعى بعضهم لتغيير الهوية واللغة بغية السيطرة على الأجيال المستقبلية بسهولة ويُسر كما سارت عليها الدول العظمى كالدولة العثمانية والفرنسية والبريطانية أيام احتلالها للدول العربية والإسلامية. 

ومن هنا فقد أكد سماحة الفقيه المرجع السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي دام ظله على أنّ هدف المستعمر الأساس هو محاربة الفكر والعقيدة وتجريد الشعوب أهم مقومات وجودهم وهويتهم وتقدمهم على طول التاريخ وبين ذلك بشكل مفصل في كتابه (جذور الإساءة للإسلام وللرسول الأعظم) حيث كان المستعمر يحرف الشباب عن امتلاك أسباب القوة والتقدم والازدهار ويشغلهم بتفاهات الأمور وقشور الحياة من أجل تذويب هويتهم ومن ثَمّ السيطرة عليهم وبالتالي تنهار قوى المقاومة ويتمكن المستعمر من تحقيق أهدافه ، كما ان استهداف فئة الشباب أسهل وايسر لضعف اطلاعهم على تاريخ بلدانهم واهميتها الجغرافية والسياسية والاجتماعية فضلا عن كون الانتماء الديني لدى الكثير منهم قشري ظاهري لم يبتن على اسس اصيلة فمن السهل زعزعة إيمانهم وحرفهم عن المسار الأصيل. 

فيقول في حديثه عن الاستعمار الغربي للبلاد العربية والإسلامية : (أهداف الإستعمار واضحة المعالم من جهة الغزو العسكري المصحوب بالغزو الثقافي، وهذه الأهداف تسعى لها دول الغرب بكل ما تملك من إمكانات لفرض عملية التغيير الجذري لهوية الشعوب من أجل محو تراثها واستبدال معالمها وتغيير مناهجها بل حتى لغتها...). 

ولما كان الغزو العسكري يستنزف قدرات الدول الغازية لاسيما مع بعد المسافة وشدة المقاومة وعدم تقبل المجتمع الانساني مما يحتمل معه عدم تحقق اغراضه السياسية والاقتصادية والدينية، كان لابد من استبداله بوسائل اخرى تقوم مقامه وتحقق غرضه في السيطرة والاستيلاء على بلد أو التأثير عليه بحرفه نحو الوجهة التي يراها الغازي، فتم استحداث ما يسمى بالحرب الناعمة التي تبتني على تصدير الافكار والتأثير في المقابل للحصول على النتائج المطلوبة دون صراع عسكري. 

ولم تكتف بذلك بل كانت ولا زالت تحارب كل من يقف في وجههم ويقاوم غزوهم ومن هذا المنطلق يصف سماحة السيد المقدس الغريفي ذلك بقوله : (فصارت هذه القوى الغاشمة تتابع حركات التحرر أينما حلت وبغطاء ومعونة الحكومات العميلة للغرب فتكيد لهم وتضع العقبات وتزرع الالغام في طريقهم وتثير الشبهات والشكوك حولهم لتشويه سمعتهم والانتقاص من عقولهم وطروحاتهم ومناهجهم ومصادرة حقوقهم وتصفيتهم وفق قوانين شرعوها لمحاربة الإرهاب والتطرف التي أصبحت ذريعة جاهزة تستغل وتستثمر لضرب المسلمين الاحرار في العالم). 

ويكمن خطورة الغزو الفكري والحرب الناعمة في سريته التامة وعدم وضوح هويته للعوام من الناس وعدم وضوحه الا بعد تأثيره السلبي في الواقع المجتمعي، وحينها يصعب مواجهته ورد آثاره. 

ويرى سماحة السيد المقدس الغريفي ان هدف الاستعمار دائما يتجه الى نقاط القوة لدى المسلمين فيحاول اضعافها وتهديمها عبر نشر الشبهات والتشكيكات التي تزعزع ايمان الفرد بدينه ومتبنياته وتحديد نقاط الضعف وتقويتها للتغلغل في المجتمع من خلالها وبالتالي يسهل على المجتمع تقبل اي فكرة او منهج وان كان يخالف المبادئ والقيم والأخلاق والأصول التي بني عليها، فيقول سماحته دام ظله: (يعمد الغزاة إلى نشر الحرية الفوضوية وتصدير الديمقراطية العشوائية والتعامل بازدواجية مع حقوق الإنسان وكذا خلق الفتن والاضطرابات بإستمرار لاشغال الشعوب في صراعات داخلية وانقسامات عرقية وطائفية واثنية تخضع لدراسات بحثية وتجارب أليمة تخوضها الشعوب وتكون تحت سيطرة الغزاة). 

إذن الغزو الفكري يعتمد على مراكز بحثية وجامعات ومحطات فضائية تعمد على نشر عناصر الجذب للشباب وخصوصاً ما كان منهم بعمر المراهقة فيتم توفير وسائل لهوية كالالعاب وفتح مواقع التواصل الاجتماعي على مصراعيه بما تحمل من اشاعة التفاهة والابتذال فضلاً عن قلب الموازين بعرض الحقائق بشكل منقوص او مغلوط بغية التغرير بالشباب واشغالهم  عن التفكير بما يطور الواقع الاجتماعي ويعزز من وجود الأمة الإسلامية في العالم أجمع.

وفي الختام نود ذكر ما يراه سماحته في طريقة مواجهة الحرب الناعمة والغزو الفكري للشباب حيث يقول: (لابد من العلم إن الدفاع يقتضي التعرف على العدو وخصوصياته و طريقة تفكيره ومعتقداته وتشريعاته وسلوكياته وتاريخه وكشف أوراقه وأساليبه وأهدافه لكي تكون المواجهة ناجعة ويخفف الكثير على شعوبنا وبلادنا ومستقبل أمتنا الإسلامية من الآثار العدوانية ويقلل عنها الخسائر ويزيد من تماسكها وقوتها ومنعتها لتكون في حصن حصين).