نزار العوصجي
تعد الأمثال الشعبية من أكثر الأشياء التى يمكن ان يعبر بها عن بعض الأحداث ، و هذا الأمر كثير الانتشار فى المعاملات اليومية ، خاصة عندما نسمع بعض الاقوال او التصرفات التي تصدر من شخصيات مشهورة ، او لها جانب سياسي ، حيث نسمع أحدهم يقول أقوالاً جميلة ومقبولة فى وقتها ، ولكن عندما ننظر الى تصرفاته وافعاله ، نجدها لا ترتبط بهذه الكلمات التى صدرت منه على الإطلاق ، فيكون رد الفعل المشهور هو التلفظ بالمثل الشعبي : اسمع كلامك اصدقك اشوف امورك استعجب ..
حين تتحدث العاهرة عن الشرف تتبجح بما ليس فيها من الفضائل ، و هذا ما ينطبق تماماً على تصريح الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن ، حين وجه انتقاده اللاذع للغزو الروسي لاوكرانيا ، و ادانته له ، كونه قد تم بدون مسوغ قانوني او قرار أممي حسب قوله ، متناسياً ان عملية غزو العراق التي اقدم عليها ، قد جرت دون مسوغ قانوني او قرار أممي ، بل تمت بموجب مؤمرة امريكية بريطانية صهيونية دنيئة ، بنية مبيتة ، تهدف الى تدمير العراق و ازاحة نظامه الوطني ، مستخدمين جملة من الاكاذيب اثبتت الايام و الاحداث زيفها جملةً و تفصلا ، باعتراف كافة رؤوساء دول العالم بما فيهم المجرمان جورج بوش و توني بلير ، حين اعترفا علناً بان المعلومات الاستخبارية التي استندوا اليها كانت مزيفة ، تلك الاكاذيب التي تتمحور حول امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل ، و رعاية عناصر تنظيم القاعدة من خلال التمويل و توفير الملاذ الامن لهم ..
لقد كشف التدخل الروسي في اوكرانيا زيف الشعارات التي يتبجحون بها ، و انفضحت سياستهم المبنية على مبدء الكيل بمكيالين ، فاثبتوا للعالم بمالا يقبل الشك ، ان من يغطي نفسه بلحاف الاحلاف العسكرية الامريكية و الغربية سينام عرياناً مكشوف الجسد ، لن ينال من احلافهم سوى الخذلان عندما يشتد الوطيس ، ليجد نفسه محاطاً بهالة من التصريحات الاعلامية ، والخطاب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، الى جانب تصريحات الشجب و الاستنكار المصحوبة بدعوات للاحتكام الى منطق العقل ، و الالتزام بقرارات و بنود الامم المتحدة و مجلس الامن الدولي ، القاضية بوقف العمليات العسكرية و الانسحاب الفوري من الاراضي التي تمت السيطرة عليها ، في حين انهم لم يلتزموا اطلاقاً باي شيئ منها عندما اقدموا على غزو العراق ..
قد يبدوا للوهلة الاولى ان المقال يتعلق بالعهر الذي يلامس الشرف المحصور وسط جسم الانسان ، الا ان ما نهدف اليه يتناول حالات العهر التي تطال حياتنا و واقعنا المرير بمفاصله المختلفة ، بدءاً من النفاق السياسي وصولاً الى استغفال العقول و الضحك على الذقون ، فمن الطبيعي ان تخال عنا الحقيقة حين نسمع العهار و العواهر ( جمع عاهر و عاهرة ) وهم يتحدثون عن الشرف ، فنتجنب ان نسيئ الظن بما يقولون خشيةً عقاب الله ، و خوفاً من تأنيب الضمير ، حين يوحي لنا اننا قد افترينا ، فنحمل على انفسنا ورز الخطيئة جراء سوء الظن بما يظمرون ، عندما نكون قد نعتناهم بما ليس فيهم من سوء ، و وصفناهم باوصاف مجحفة ، ذلك هو حالنا حين نصطدم باكاذيب يراد منها خلط الاوراق بقصد القفز على الواقع ، لقلب الحق الى باطل و العكس صحيح ..
في جانب اخر من جوانب العهر السياسي الذي اشرنا اليه ، تبدوا لنا الصورة جلية حين يتحدث البعض من السياسيين الطفيليين عن السيادة ، و لا نعلم ماذا تعني لهم السيادة ، عن اي سيادة تتحدثون ياسادة ، و هنالك مناطق باكملها في وسط العراق هي خارج سيطرة الدولة ، و واقعة تحت سيطرة مخابرات جارة السوء إيران ، و من المحال الدخول اليها من قبل قوات الجيش و الشرطة العراقية ، لهذا نجدهم يحاولون ان يبرروا هذا الانتهاك الصارخ ، و يعزون بالخلل الى الضغوط الخارجية المحيطة بالعراق ، و ان ينسبوا فشلهم في ادارة الدولة الى الضروف القاهرة التي ادت الى سوء الاحوال المعاشية و الخدمية و الامنية التي يعاني منها العراقيين ، رغم كل ما حصلوا على من موارد مادية ، متناسين بل غير مدركين ان السياسة ليست مهنة يعتاشون منها ، بل هي عقيدة تمتد جذورها لتتوسط الضمير الحي ، و انها عقيدة نابعة من رحم معاناة الفرد و المجتمع و الشعب ، فالسياسي هو الشخص الذي يشارك في العمل الجاد في اوساط الجماهير، من خلال التأثير في صنع القرار السياسي ، كما انه الشخص الذي يؤثر على دوائر القرار التي تحكم البلد ، من خلال تفهم السلطة السياسية لديناميكية المجتمع ، بمختلف شرائحه و انتمائاته المذهبية و القومية ..
لهذا نجد ان من الصعوبة بمكان قيادة شعب ذو تأريخ و حضارة تمتد الى الأف السنين ، من قبل شخوص طارئين على المشهد السياسي ، لا يعدوا كونهم زعاطيط المرحلة ، وانهم مجرد دمى جاء بها عهر الاحتلال البغيض الذي اوصلهم الى سدة الحكم ، ليعيثوا في الارض فساداً ، و يضيفون دمارً الى الدمار الذي انتجته عمليات الغزو الغاشم ، فعكفوا على التفنن في ابتداع اساليب السرقة و الاستحواذ ، بدلاً من العمل على ايجاد الوسائل الكفيلة بالتخفيف من معاناة المواطنيين ، و رفع المستوى المعاشي بشكل عام ، مستغلين سذاجة البسطاء الباحثين عن لقمة العيش ، من الذين ينقادون بسهولة خلف النعرات الطائفية ..
لله درك ياعراق الشرفاء …
0 تعليقات
إرسال تعليق