موفق الخطاب


ما يجري من حراك سياسي ومواجهات عسكرية في أكثر من بقعة ساخنة وخاصة مأزق روسيا في أوكرانيا وصعوبة إبتلاعها كلقمة سائغة وما يرافق ذلك من حروب ما زالت مستعرة في عقر دارنا والتي يراد ويخطط لها أن تبقى كجرح نازف والتداعيات الإقتصادية والانهيارات المرتقبة والتحركات الدبلوماسية المكوكية لإعادة تشكيل التحالفات بما يؤمن ويعزز مواقف الدول الكبرى؛ كل ذلك يوحي بلا شك أن هنالك أمراً جللاً يلوح في الأفق، وبات الجميع يحبس أنفاسه ولا يعلم مصيره في ذلك الإعصار الذي يضرب المنطقة من كل حدب وصوب.

فبعد أن سقطت الأقنعة وبانت الأوجه الحقيقية التي كانت لعقود تمارس دور راعي الإنسانية والسلام، أصبحت الأمور اليوم جلية وأزيح الستار عن الغرف المظلمة وستتدفق وثائق وفضائح الدول الكبرى  لما إقترفوه من جرائم بحق دول العالم الثالث طوال القرن المنصرم ،حيث بقيت تلك الدول وعلى وجه الخصوص بريطانيا وحصان الطراودة أمريكا يستغفولننا ويسوفون في مواقفهم في دعم قضايانا حتى مكنوا منا ايران ومليشياتها والكيان الصهيوني وترسانته.

نعم أقول ذلك بحسرة؛ فقد مكنوا منا أشرس عدو يضرب بأطماعه وعدائه الفكري والعقائدي العرب في عمق التاريخ، فلقد وضعوا يديهم في جبٌَته بعد أن إغتسلوا  تماماً من آثار العرب، فلم يعد بالإمكان العودة للمربع الأول، ومن الصعوبة بمكان أن يتم تفادي ذلك الإعصار بالركون إلى المصدات البالية بعد ان إنهار مصد العراق واخرج من المعادلة وبعد ان حُيدت مصر ودمرت اليمن وسوريا ، ومن سيدفع الثمن باهظا بلا شك هم شعوب المنطقة المغلوبة على أمرها..

نعود بكم لحدث قريب انشغلت به وسائل الإعلام هذه الأيام هو استمرار  الضغط الإيراني في الملف العراقي ومصادرة قراره في تشكيل حكومة وطنية مستقلة القرار وكأن العراق هو الضيعة الإيرانية المغتصبة، وما سيادة العراق واستقلاله المزعومين إلا ثمة أوراق محفوظة في سجلات الأمم المتحدة وغدت من الآثار والمخطوطات ،إن ما حدث مؤخرا من التعرض لسيادته باطلاق حزمة صواريخ بلاستية تجاه احدى محافظاته ((أربيل)) بحجة وجود مقرا للموساد يشكل خطرا تجسسيا على الجمهورية الإسلامية وتحت تلك العبارة العديد من الخطوط الحمراء، مما يجعل هذه الاكذوبة محط سخرية لخلط الأوراق ! 

فمتى تقاطعت اهداف ايران والكيان الصهيوني ؟ 

فعن اي سيادة يتحدثون؟ 

.

اليوم الوطن العربي وبضمنه الخليج العربي برمته في وضع هش ومتآكل وحشر في نفق مظلم، وقد أطبق عليه بين مطرقة الصهيونية العالمية والشيطان الأكبر وسندان إيران، فلا يتوهم بعد الآن أحد أن هنالك صراعاً يدور بين طرفين وأيدلوجيتين؛ بل هو تكالب وتقاسم نفوذ أدواته على الأرض معلومة، وإن كان يبدو للوهلة الأولى صراعاً وجبهات، لكن في الحقيقة هو الدهاء والمراوغة وحيل ومكر قادة الحروب وتجارها، فهدفهم واحد حتى إن تطلب الأمر التضحية ببضعة المئات من القوات والمعدات  والمسيرات والأموال مقبوضة الثمن للفت الأنظار عن مخططهم الذي يرمي إلى إغراق العالم والمنطقة بالفوضى ثم إعادة عجنها وشبكها وصهرها ثم صبها في قوالب معدة لهذا الغرض وبالتأكيد يوازي ذلك الصراع حرب اقتصادية شرسة تشل الحياة، ولا يتوهم احد انه في مأمن عما يحدث ولن تصيبه النار و شررها. 

فإن كان هنالك بصيص من أملٍ بالإفلات من هذه الكماشة والمقصلة الرهيبة فيتمثل بتوحد البلدان التي وصلها لها الدخان قبل النيران، وأن تتحرك خارجياً وتتعجل بالمصارحة والمواجهة مع الحلفاء التقليديين وعدم الإنقياد خلفهم والتوقيع شيك على بياض كما يقال وكما اعتادته الانظمة للحفاظ على كراسيها و وجودها ، فإنهم لا أمان ولا عهود لهم.

كما يتطلب ايضا تسخيير ما تتمتع به المنطقة من قوة اقتصادية لتشكيل تحالفات جديدة، متزامنة مع تحرك داخلي برص الصفوف والضرب بيد من حديد فوق رؤوس العملاء والمدسوسين وعدم التهاون في التصدي لأي خرق أمني بعد اليوم داخليا كان أم خارجي، فالامر يتطلب الحيطة والحذر والحزم عند وصول درجة الخطر وعدم التراخي تحت مسمى التروي والحلم..