علي الجنابي


إنَّ النَّفسِ لتَنتَفِضُ، وإنَّ الوَجهَ ليمتَعِضُ مِن حَشرِ مُفردةِ (كبارِ) قدّامَ علماء الدَّعوةِ والإفتاء حَشراً بوَكَد! أَوَلَمْ يَكْفِكُمُ أَنَّكمُ موصوفونَ ب(علماءَ) في أرجاءِ البلد؟! وإنَّما الألقابُ لا تسمنُ ذا خواءٍ، ولا تغني بسيطَ علمٍ عن رشد، وما عَهِدنا تبجُّحَاً مِن أبي بكر الصَّديق أنَّهُ من (الكبارِ ) في المدينةِ أو في البَلد، بل قالَ رضيَ الله عنهُ (إن أحسَنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقَوِّمُوني) بِرَفَد. ولاشكَّ أنَّ العلماءَ ملحُ البلد، ولا صلاحَ للبلدِ إنِ الملحُ فَسَد. ولاريبَ أنَّ (كبارَ) العلماءِ همُ الملحُ للملحِ وهمُ السَّنَد، وهُمُ لكلِّ ذي جَنَفٍ وذي عِوجٍ هُمُ الرَّصَد، وإنَّهُمُ لشِرعةِ الله في الأرضِ همُ الوَتَد.

ثُمَّ إنِّي أفصَحُ بِمَجمَعِكمُ عن إِسْتِياءٍ بعدَما بَصُرتُ كلماتٍ مِنكُمُ مُعَلَّقةً في بَيتِ اللهِ الأحدِ الصَّمَد، أمامَ أنظارِ القائمينَ والرُّكّعِ ومَن سَجَد، كلماتٌ نحيفةُ الفصاحةِ بفَقَد، كَفيفةُ البلاغةِ برَمَد، ضعيفةُ البيان بِجَحَد، ويأنفُ أن يتقوَّلها في مجلسِ وفي حَشد، لسانُ فتىً عربيٍّ، أو أَبْكَمٌ لسانهُ عن الحرفِ عَقَد، أو حتّى أعجميٌّ أو طريدٌ وَغَد.  

 ثمَّ إنّي أطرحُ أمامَكمُ هاهنا معاذيرَ عن زَلَلٍ في بَهوِ بَياني رُبَما غيرِ ذي رشَد، ومَلَلٍ في رَهوِ عناني رُبَما غير ذي أكَد، وعِلَلٍ في نحوِ بناني رُبَما غير ذي رفد، وشَفيعي في ذاكَ و ذيكَ، أنّي لا رصيدَ لي من بيانِ العَربيّةِ، إلّا جَذبةٍ مِن (دِراسةٍ ثانويةٍ)، صَفَفتُ بها إِسْتِيائي هذا لكمُ بِرَويةٍ، مُستَنِداً على بَسطةِ هيامٍ بالضادِ عَذْبةٍ ورويّةٍ، ومُعتَمِداً على سَبْطةِ صيامٍ على فِطرَةٍ صافيَةٍ صَفِيّةٍ. علَّ عُذري يشفعُ لي عندكم ويُجزيني، وذاك ما أبغي من نشد.

الكلماتُ؛ (أيها المسلمُ، إنَّ إتباعَكَ لمَنهجِ اللهِ وشريعتهِ دليلٌ على صدقِ إيمانك)، ولَعَمري إنَّها لعبارةٌ يأنفُها لسانٌ عربيٌّ أو حتّى جاهلٌ وغد. عبارةٌ خائرٌ بيانُها ولا يستقيمُ التفوِّهُ بها في نادٍ أوفي حشد، فهلّا - وأنتمُ أكابرُ العُلماءِ - جَعلتُمُوها؛

(أخَا الإسلام، إنَّ إتباعَكَ لشِرعةِ اللهِ ومِنهاجِهِ عَلامةٌ على صِدقِ إيمانِكَ) ووفاءٍ بالعهد. وشتّانَ ما بين الحرفينِ لو أنكمُ في البيانِ كنتُمْ تَعلمون ما في الفصاحةِ من عَمَد . ثمَّ هَلّا جَعَلتُم شِعارَ (رَمضانُ فُرصةٌ للتَّغيير) (رَمضانُ تَزكيَةٌ للنّفُوس) وموطئٌ  للسعدُ و موضعٌ للرَغَد.

رُبَما مشاغلَكمُ في إصلاحِ ذاتِ البين بينَ العِبادِ وما أصِيبُوا مِن نكد، أصابَكمُ بإعياءٍ وبغزيرِ مِن جَهَد، فَدَفَعتُم بحارسِ المَجمَعِ، أو بوالدٍ بسيطِ اللسانِ أو رُبَما بما وَلَد، أن يتكفَّلَ بكتابةِ وطِباعةِ تَوجيهاتِكمُ (الرشيدة) الوَقَّادَةِ بِوَقَد؟

رُبَما، ولِزامَاً عليَّ أن ألتَمِسَ لكمُ العُذرَ، فلا غايةَ لكمُ أن تُدمِّروا لُغةَ القُرآنِ، أو أن تَقتُلُوها في الوَأد، وإذ أنتمُ (كبارُ) العُلماءِ، وأنتمُ المِلحُ للمِلحِ والسَّنَد.


و{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].

هذا، واللهُ مِن وراءِ المُبتَغى والقَصد.

المجمع الفقهي العراقي

نسخة منه الى/ ديوان الوقف السني العراقي