عمر سعد سلمان

عند النظر الى تاريخ الشراكة بين القطاعين العام والخاص في العراق نلاحظ ان عقوداً من سيطرة الدولة المركزية في العراق افرزت شراكة او علاقة غير مستقرة بين الحكومة والقطاع الخاص، ألقت بظلالها على المرحلة الحالية، اذ بدأت بقرارات تأميم المنشأت الاقتصادية عام 1964، والتي انتجت قطاعاً خاصاً متلكئاً ومتوجساً من قرارات الحكومة في مصادرة او تأميم مشاريعه، مما أدى الى ابتعاده عن أي استثمارات متوسطة او طويلة الاجل، في ظل سيطرة الدولة على جميع قطاعات الاقتصاد الوطني، فيما وضعت الدولة نظاماً يمثل فلسفتها الاقتصادية بدأ في عقد الستينات من القرن الماضي تحت مسمى القطاع المختلط والذي يمثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص كان اخره قانون رقم (21) لسنة 1997 والذي سمح بتأسيس شركات مختلطة تسهم فيها الدولة من خلال احدى تشكيلاتها او اكثر بنسبة لا تقل عن 25% من رأس مال الشركة.
ومنذ ذلك الوقت ولغاية هذه اللحظة، لم يصدر قانون ينظم الاستراتيجية التي وضعت لتطوير القطاع الخاص عام 2014 والتي تمتد عبر 3 مراحل تنتهي بالعام 2030 الذي يصبح من خلالها القطاع الخاص القائد لمحور التنمية بالعراق. فالقانون يوفر الشفافية للمستثمرين العراقيين والأجانب، ويوضح الوضع القانوني للمتعاقدين على الإجراءات الواجب اتباعها لاختيار الشريك، فضلاً عن الالتزامات والحقوق المتعلقة بالأطراف المتعاقدة. كما يوضح المقتضيات الواجب تطبيقها خلال انجاز المشروع، بدءاً من اختيار المشروع ومروراً بتنفيذه وتشغيله وانتهاءاً بتحويل ونقل أصول المشروع الى الدولة عند نهاية مدة العقد.
في ظل وضع الاقتصاد العراقي الراهن، وما يمر به القطاع العام من اهمال وعدم كفاءة من جهة وترهل في كافة مرافقه من جهة أخرى، أصبحت الشراكة مع القطاع الخاص من الضرورات، ذلك ان توجهات القطاع الخاص التي تبحث عن تقليل الكلف وزيادة الإيرادات وما يحمله من كفاءة في الإدارة ومهنية في أداء الواجبات لتبرز ضرورة اشراكه في إدارة الاقتصاد العراقي وفي قيادته في مرحلة قادمه خصوصاً مع عدم قدرة القطاع العام على تحقيق التنمية المستدامة بمفرده، وضغوط المنافسة وانخفاض معدلات النمو، وعدم كفاية الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية لدى القطاع العام، بسبب تعدد المجالات والمشاريع التي يتطلب تنفيذها.
تعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص احد الحلول العملية لمشكلة التمويل وسوء الإدارة الحكومية للمشاريع العامة، فضلاً عن فسح المجال للقطاع الخاص وتشجيعه للدخول في مشاريع البنى التحتية وغيرها من المشاريع الإنتاجية التي يحتاجها الاقتصاد العراقي، ذلك من خلال الاستفادة من التسهيلات التي تقدمها الحكومة للمستثمرين في مجال تخصيص الأراضي للمشاريع الاستثمارية بدلاً من بقاءها عرضة للتجاوزات والعشوائيات فضلاً عن ان الشراكة تعد مصدراً مهماً لتنويع الدخل والثروة في الاقتصاد العراقي للنهوض بواقعه نحو الأفضل وتقليل اعتماده على تصدير النفط، اذ من الضروري إيجاد استثمارات زراعية وصناعية لزيادة الإيرادات والحد من الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي. فالشركات العامة تعاني من خلل في بناها الإنتاجية والإدارية، وان الدولة هي التي تقوم بدعمها دون ان تحصل على عائد مالي منها، بل هي عبء مالي على كاهل الموازنة العامة.  
ان الشراكة بين القطاعين العام والخاص تتيح إمكانية ضخ رؤوس أموال خاصة في شركات القطاع العام المتلكئة او المتوقفة عن العمل، وكذلك زج خبرات القطاع الخاص في الإدارة والتشغيل في القطاعات المختلفة من اجل توسيع وتحسين الخدمات المقدمة، وينبغي على الحكومة لغرض تفعيل عملية الشراكة، تعزيز قدرات السلطات المعنية على إدارة الشراكة بين القطاعين العام والخاص او انشاء هيئة او مركزاً يتخصص في دراسة عملية الشراكة بكل القطاعات الاقتصادية، خصوصاً وان القطاع الخاص في نشاطه يبحث عن الربح، فيما يكون هدف القطاع العام بالدرجة الأساس اجتماعياً لذا يجب وضع السياسات التي تحقق عدم التناقض بين اهداف كل من القطاعين.
ولا بد من الموازنة بين القطاعين العام والخاص، فالقطاع العام عندما ينسحب من النشاط الاقتصادي يوفر نفقات كبيرة مفروضة في الموازنة العامة، بينما عندما يكون حاضراً بقوة فتحتاج الموازنة العامة الى إيرادات عامة كثيرة لمواجهة الانفاق في المجالات الخدمية والإنتاجية، وتصبح أدوات السياسة المالية (ضرائب/رسوم/تحويلات/اعانات) غير فعالة في تحريك السلوك الاقتصادي. وبالتالي فأن الشراكة بين القطاعين تحقق (كفاءة القطاع الخاص من حيث الإنتاجية) و(كفاءة السياسة المالية للحكومة من حيث تحقيق الأهداف المرغوبة للتنمية الاقتصادية). إضافة الى الموازنة بين (بطالة مقنعة مرادفه للقطاع العام) و(البطالة السافرة التي قد تحصل جراء انسحاب الحكومة وتراجع تداخل الدولة وخاصة في فترة الانتقال) عندما يسود القطاع الخاص.