عباس الغليمي

في مساءٍ عراقي صيفي ودرجات الحرارة تبدأ ترتفع تدريجياً التيار الكهربائي لا يزال راقد في ردهة الإنعاش ولا نعرف متى ينهض بقدرته ويعيد الحياة الى مراوح المنزل المحلقة في السقوف. أمي تستمر في عادتها في كل مساء صيفي تحضر الفراش على سطح المنزل لكي يكون بارد ومريح للنوم. وفي أحد الأيام الصيفية كانت عائلتُنا الصغيرة مجتمعة على مائدة العشاء التي تتمركز وسطها لاله (مصباح زيتي) ودخانها الأسود يملئ المنزل. غالباً يكون والدي غائباً عن المنزل بسبب انشغاله بواجبه الأمني في المدينة ولهذا كانت أمي تدعو جدتي للنوم معنا كانت تخاف ان نبقى لوحدنا في تلك الأيام الموحشة. موجات الظلام أعلنت الهجوم على السماء وجاء الليل المعتم وحل وقت النوم قامت أمي بحملنا أنا وأخوتي وتصعد بنا على السلم الذي يصل الى سطح المنزل وتضعنا على الفراش الذي جهزتهُ في المساء وأخر من تحملهُ هو دلو الماء ويكون جالساً بجانب رؤوسنا

في هذهِ اللحظات كُنا عباره عن محلول مخلوط من عناصر الفرح والألم والقسوة الموضوع في دورق الوطن. في أحدى الليالي وروتين الصيف العراقي المستمر كُنا أنا وأخوتي نائمين على سطح المنزل ونتسابق على عد النجوم وعندما نرى المصابيح الملونة للطائرات المحلقة في السماء يعم الفرح على سكان السطح الصغير الذي يجاور المئات من ساكني السطوح العراقية. في هذا الوقت الجميل كانت جدتي تزف الى سرير  مسامعنا قصص قديمة منها الحقيقية و الخرافية  لم نفهم البعض منها. فجأة سمعنا صوت اطلاق العيارات النارية والسماء تمطر رصاص أمي تصرخ انبطحوا وازحفوا الى السلم ثم نزلنا واختبأنا في الغرفة الأخيرة من المنزل كُنا مذعورون والخوف يحتضن أجسادُنا ولا نعرف ما سبب حدوث اطلاق النار والصراخ المنتشر في أرجاء المدينة بعد فترة من الخوف والرعب توقف اطلاق النار امي في تلك الأثناء كانت تقرأ آيات من القرآن كي تهدأ نفوسنا وتطمئن قلوبنا. قررت جدتي أن تعرف ما الذي حدث في المدينة فنادت على جارتنا أم حازم من خلف الجدار الذي يفصل بيننا ، زوج أم حازم يعمل ضابط في شرطة المدينة وأخبر زوجته بما حصل أم حازم أخبرت جدتي بأن الطائفية وصلت الى المدينة على محامل الحقد والتطرف وعلى أثرها قُتل الإعلامي فريد كونه ينتمي الى طائفة اقليه في المدينة ، جدتي لطمت وجهها وقالت لعن الله من أيقظها. أمي علمت بما جرى جلسنا انا وأخوتي أمامها وسألناها يا أماه سمعنا ما حدث بسبب الطائفية وما هي الطائفية ابتسمت امي والحزن يسيل على وجنتيها وقالت يا أولادي ستكبرون وتعرفونها اصرينا على أمي أن توضح مفهوم الطائفية بعد الإلحاح أجابت أمي بأن الطائفية هو نبات أسود زرعوه فلاحون حُقراء في أرض الوطن من دون علم الشعب وسقوه بماء الحقد والكراهية من أجل مصالحهم حتى أخذت جذوره تمتد إلى المدن. يا أماه لانفهم ما تقولين كلامك الغاز يا أولادي قلت لكم ستكبرون وتعرفون ما حصل الليلة. يا أماه هل يستمرون الناس السُذج بالأكل من ثمار ذلك النبات. نعم يا أبنائي سيستمرون أذا لم ينهضوا أبناء الوطن من سباتهم ويرشوا مُبيد قاتل على ذلك الزرع الأسود. يا أمي ومتى يقومون من سباتهم. يا ولدي سيستيقظون من نومهم عند قدوم الوطن الجديد.  
لا يزال الفراش على سطح المنزل!
ونترقب قدوم الوطن الجديد.