بلقيس خيري شاكر البرزنجي
استيقظت في صباح صيفي مشرق على صوت والدتي، وهي تنادي : مريم.. استيقظي لقد جهزت الفطور اكملي اعداد المائدة ريثما ايقظ والداك.
جهزت مائدة الإفطار وجلسنا جميعا ورائحة الشاي ملأت المكان بعبق منعش، اعتدل ابي في جلسته وبدأ حديثه معي حول تقديمي الى الجامعة الاهلية كما وعدني سابقا، ولكنه فاجأنا بالحديث وهو مهموم عن قضايا مالية تخص الشركة حاول اخفاؤها عنا ريثما تحل، ولكن يبدو ان الامور خرجت عن سيطرته.
أكفهر وجه والدتي وبدأ عليها الحزن العميق. ولكني تحت وطأة الصدمة قلت بصوت متألم: حسناً ابي الحمدلله سأرضى بما كتبه الله لي والمهم ان تخرج من هذه المحنة سالماً .
قبل نحو عقدين من الزمن اسس ابي شركته، وكانت (شركة لتجارة السيارات) لها مكانة كبيرة في السوق، واصبح ابي من كبار تجار المدينة وفتح الله عليه أبواب الزرق من كل جانب ، لقد كان شريفاً نزيهاً ، أميناً صادقاً في تجارته يتلقى رزقه الحلال بكل طمأنينة وراحة بال، وكان يقول: ان سمعة التاجر وصدقه وأمانته هي رأسماله الحقيقي ، وليست البضائع والأموال.
سالته امي: كيف خسرت اموالك؟
فحكى لنا عن مدير الحسابات الذي يعمل في الشركة منذ تأسيسها وكان صديق عمره وكان يثق به ثقة عمياء، ولكنه مع الاسف خان الامانة، وقام بعمليات تجارية باسم الشركة واتفق مع مجموعة كبيرة من العملاء باستيراد سيارات غالية لهم واعطاهم سندات باسم الشركة، وهرب بالاموال التي استلمها منهم الى مكان مجهول.، والآن هؤلاء الاشخاص يطالبون باموالهم ويلوحون بالصكوك التي لديهم بتقديمها الى القضاء، وقد بعت جميع السيارات التي عندي لتسديد الصكوك ولكنها لاتكفي، والآن انا في حيرة من امري لاادري ماذا افعل؟
خيم الحزن علينا بعد الكلام الذي سمعناه ونحن نتألم في داخلنا اشد الالم...
وساد صمت ثقيل قطعه كلام امي : لاتبالي ياعزيزي سنبيع بيتنا ونؤجر بيت صغير وسدد بثمنه الدين.
فجأة قطع حديثها صوت طرقات قوية على باب البيت ، فتح ابي الباب وتفاجأ بالشرطة امامه ومعهم امر بالقاء القبض عليه،
دارت بنا الدنيا وشحبت وجوهنا لانلوي على شيء..
يا إلهي!!!! لقد اقتحموا منزلنا وسمعت الضابط يقول :تعال معنا انت مطلوب.
تكلمت امي من غير ادراك بما تقوله : لا!!! لا!!! ماالذي فعله زوجي؟ ماهي تهمته؟
ولكنهم وضعوا الاصفاد في يد ابي واخذوه إلى مركز الشرطة... وانا وأمي قد اظلمت الدنيا علينا وسقطنا أرضا واحتضنا بعضنا وبدأنا بالبكاء والعويل.. وأتت جارتنا على صوت صراخنا لتواسينا وتطبطب علينا وتخفف من صدمتنا... وتقول لنا ان المؤمن مبتلى، وقدر الله وما شاء فعل......
لقد كان ابي كل شيء في حياتنا كان سندنا ومعيلنا الوحيد ، وكان متكفل بكل امورنا المعيشية، كان يغدق علينا الاموال، وكنا نعيش حياتنا في سلام ووئام لانحمل هم الغد، لقد كان عمود خيمتنا، وهاهو العمود قد انكسر.
ولكن الآن اصبح همنا الوحيد أنا وامي هو كيف نخرج أبي من محنته؟؟
وكان اول عمل قامت به امى هو بيع البيت لاحد الدائنين مقابل التنازل عن حقه في المحكمة.
وانتقلنا الى بيت صغير لنعيش فيه وجرت الايام بخطى ثقيلة محملة بانواع الهموم، والأسى يعصف بنا، وفي بعض الاحيان لا نستطيع أن ندبر حتى قوت يومنا..
بعد فترة من الزمن أعلنت نتائج القبول في الكليات وقد تم قبولي في كلية الزراعة، كلية لم تكن على خاطري ابدا.. لقد كنت احلم باحدى كليات الصيدلة الاهلية، ولكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه.
وخلال هذه الفترة لم يكترث لحالنا احد، لقد تخلى اغلب الاقارب عنا، لم يبقى لنا سوى أخوة امي يسألون عن حالنا ويجلبون لنا ما نحتاجه من مستلزمات المعيشة الضرورية..
كانت أمي ماهرة في الخياطة وصنع المعجنات والمخلل، وبدأت تعمل وتكافح كي نعيش وأيضا كي تجمع بعض المال لتدفعه للدائنين كي يخرج ابي من سجنه.
بدأت الدراسة في الكلية وأكملت المرحلة الأولى ونجحت ب علامات مرضيه....
مرت ايام وسنوات مجحفة وقاسية جدا وابي لا زال في السجن...
وذات يوم جاء خالي الى منزلنا يحمل البشرى لأمي، لقد تم تقسيم ميراث جدي وكانت حصة امي مبلغ لابأس به يكفي لسداد بعض الدائنين واخراج ابي من السجن.
استبشرت امي خيرا وحمدت الله سبحانه وتعالى.. واتصلت ب المحامي وبعد جلسة المحكمة ودفع مبلغ مايقارب خمسين مليون دينار عراقي.. استطعنا ان نطلق سراح ابي بعد صبر ومعاناة طويلة ذقنا فيها المر والحرمان.
لقد كان يوما لن انساه ابدا، سيعود ابي الينا سيعود للحياة مرة أخرى.. (اني اشم ريح يوسف)...
وانا انتظر على احر من الجمر، سمعت طرقات الباب وخفق معها قلبي بشدة دخلت امي ومعها خالي ثم دخل ابي.. احتضنته بشدة وبدأت ب البكاء والدموع الحارة تسيل على وجنتي.. واخيرا بعد فراق طويل استنشقت عطر والدي مرة أخرى.... لقد كان حبس والدي وفق القانون، ولكن أين روح العدالة في حبسه وتقييد حركته، كيف سيسدد اموال الدائنين وهو محبوس لا يستطيع العمل؟
لو كان ابي طوال هذه السنين خارج السجن يعمل لاستطاع ان يعطي الدائنين اموالهم، باعتقادي ان هذا الموضوع بحاجة الى ضمير وليس قانون.
مرت عدة ايام وانا ادلل ابي وكانه طفل صغير واحاول ان ارفع من معنوياته قدر الامكان.
قلت له : ابي مادام قلبك النقي مليء بالامال سوف تنهض من كبوتك وتعيد كل مافقدته.
اتصل ابي بصديق له خارج العراق يعمل في تجارة السيارات واتفق على السفر والعمل معه.
وكانت تلك السنة اخر مرحلة لي بالكلية وامي تكافح بصبر وثبات لكي نعيش بكرامة، ومرت السنة وتخرجت من كلية الزراعة، وكنت اساعد امي في الخياطة حتى اصبحت اتقنها باحترافية واصبحت امورنا المادية افضل.
كانت تلك السنوات صعبة وقاسية وكانت سلسلة من الابتلاءات وكم بكيت وحدي في اغلب الليالي لم يسمع انيني سوى الله.. ولكني تعلمت الكثير من دروس الحياة وكأني كبرت مئة سنة.
واخيرا ابتسم لي القدر وتم تعييني في احد شركات الدواجن كأخصائية في علم تغذية الحيوان..
أما ابي فلازال في الغربة يعمل بكد ونجاح.. ورغم ان الحياة وضعته في زاوية مظلمة ضيقة الا انه دائما متمسكا بالامل.. ولم يتبقى الا القليل من ديونه الحياة وان أدت بنا إلى مطبات صعبة جدا لابد لحرير خيط الأمل ان يبزغ ويشرق من جديد مدام هناك حياة مدام هناك أمل....
انتهى..
استيقظت في صباح صيفي مشرق على صوت والدتي، وهي تنادي : مريم.. استيقظي لقد جهزت الفطور اكملي اعداد المائدة ريثما ايقظ والداك.
جهزت مائدة الإفطار وجلسنا جميعا ورائحة الشاي ملأت المكان بعبق منعش، اعتدل ابي في جلسته وبدأ حديثه معي حول تقديمي الى الجامعة الاهلية كما وعدني سابقا، ولكنه فاجأنا بالحديث وهو مهموم عن قضايا مالية تخص الشركة حاول اخفاؤها عنا ريثما تحل، ولكن يبدو ان الامور خرجت عن سيطرته.
أكفهر وجه والدتي وبدأ عليها الحزن العميق. ولكني تحت وطأة الصدمة قلت بصوت متألم: حسناً ابي الحمدلله سأرضى بما كتبه الله لي والمهم ان تخرج من هذه المحنة سالماً .
قبل نحو عقدين من الزمن اسس ابي شركته، وكانت (شركة لتجارة السيارات) لها مكانة كبيرة في السوق، واصبح ابي من كبار تجار المدينة وفتح الله عليه أبواب الزرق من كل جانب ، لقد كان شريفاً نزيهاً ، أميناً صادقاً في تجارته يتلقى رزقه الحلال بكل طمأنينة وراحة بال، وكان يقول: ان سمعة التاجر وصدقه وأمانته هي رأسماله الحقيقي ، وليست البضائع والأموال.
سالته امي: كيف خسرت اموالك؟
فحكى لنا عن مدير الحسابات الذي يعمل في الشركة منذ تأسيسها وكان صديق عمره وكان يثق به ثقة عمياء، ولكنه مع الاسف خان الامانة، وقام بعمليات تجارية باسم الشركة واتفق مع مجموعة كبيرة من العملاء باستيراد سيارات غالية لهم واعطاهم سندات باسم الشركة، وهرب بالاموال التي استلمها منهم الى مكان مجهول.، والآن هؤلاء الاشخاص يطالبون باموالهم ويلوحون بالصكوك التي لديهم بتقديمها الى القضاء، وقد بعت جميع السيارات التي عندي لتسديد الصكوك ولكنها لاتكفي، والآن انا في حيرة من امري لاادري ماذا افعل؟
خيم الحزن علينا بعد الكلام الذي سمعناه ونحن نتألم في داخلنا اشد الالم...
وساد صمت ثقيل قطعه كلام امي : لاتبالي ياعزيزي سنبيع بيتنا ونؤجر بيت صغير وسدد بثمنه الدين.
فجأة قطع حديثها صوت طرقات قوية على باب البيت ، فتح ابي الباب وتفاجأ بالشرطة امامه ومعهم امر بالقاء القبض عليه،
دارت بنا الدنيا وشحبت وجوهنا لانلوي على شيء..
يا إلهي!!!! لقد اقتحموا منزلنا وسمعت الضابط يقول :تعال معنا انت مطلوب.
تكلمت امي من غير ادراك بما تقوله : لا!!! لا!!! ماالذي فعله زوجي؟ ماهي تهمته؟
ولكنهم وضعوا الاصفاد في يد ابي واخذوه إلى مركز الشرطة... وانا وأمي قد اظلمت الدنيا علينا وسقطنا أرضا واحتضنا بعضنا وبدأنا بالبكاء والعويل.. وأتت جارتنا على صوت صراخنا لتواسينا وتطبطب علينا وتخفف من صدمتنا... وتقول لنا ان المؤمن مبتلى، وقدر الله وما شاء فعل......
لقد كان ابي كل شيء في حياتنا كان سندنا ومعيلنا الوحيد ، وكان متكفل بكل امورنا المعيشية، كان يغدق علينا الاموال، وكنا نعيش حياتنا في سلام ووئام لانحمل هم الغد، لقد كان عمود خيمتنا، وهاهو العمود قد انكسر.
ولكن الآن اصبح همنا الوحيد أنا وامي هو كيف نخرج أبي من محنته؟؟
وكان اول عمل قامت به امى هو بيع البيت لاحد الدائنين مقابل التنازل عن حقه في المحكمة.
وانتقلنا الى بيت صغير لنعيش فيه وجرت الايام بخطى ثقيلة محملة بانواع الهموم، والأسى يعصف بنا، وفي بعض الاحيان لا نستطيع أن ندبر حتى قوت يومنا..
بعد فترة من الزمن أعلنت نتائج القبول في الكليات وقد تم قبولي في كلية الزراعة، كلية لم تكن على خاطري ابدا.. لقد كنت احلم باحدى كليات الصيدلة الاهلية، ولكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه.
وخلال هذه الفترة لم يكترث لحالنا احد، لقد تخلى اغلب الاقارب عنا، لم يبقى لنا سوى أخوة امي يسألون عن حالنا ويجلبون لنا ما نحتاجه من مستلزمات المعيشة الضرورية..
كانت أمي ماهرة في الخياطة وصنع المعجنات والمخلل، وبدأت تعمل وتكافح كي نعيش وأيضا كي تجمع بعض المال لتدفعه للدائنين كي يخرج ابي من سجنه.
بدأت الدراسة في الكلية وأكملت المرحلة الأولى ونجحت ب علامات مرضيه....
مرت ايام وسنوات مجحفة وقاسية جدا وابي لا زال في السجن...
وذات يوم جاء خالي الى منزلنا يحمل البشرى لأمي، لقد تم تقسيم ميراث جدي وكانت حصة امي مبلغ لابأس به يكفي لسداد بعض الدائنين واخراج ابي من السجن.
استبشرت امي خيرا وحمدت الله سبحانه وتعالى.. واتصلت ب المحامي وبعد جلسة المحكمة ودفع مبلغ مايقارب خمسين مليون دينار عراقي.. استطعنا ان نطلق سراح ابي بعد صبر ومعاناة طويلة ذقنا فيها المر والحرمان.
لقد كان يوما لن انساه ابدا، سيعود ابي الينا سيعود للحياة مرة أخرى.. (اني اشم ريح يوسف)...
وانا انتظر على احر من الجمر، سمعت طرقات الباب وخفق معها قلبي بشدة دخلت امي ومعها خالي ثم دخل ابي.. احتضنته بشدة وبدأت ب البكاء والدموع الحارة تسيل على وجنتي.. واخيرا بعد فراق طويل استنشقت عطر والدي مرة أخرى.... لقد كان حبس والدي وفق القانون، ولكن أين روح العدالة في حبسه وتقييد حركته، كيف سيسدد اموال الدائنين وهو محبوس لا يستطيع العمل؟
لو كان ابي طوال هذه السنين خارج السجن يعمل لاستطاع ان يعطي الدائنين اموالهم، باعتقادي ان هذا الموضوع بحاجة الى ضمير وليس قانون.
مرت عدة ايام وانا ادلل ابي وكانه طفل صغير واحاول ان ارفع من معنوياته قدر الامكان.
قلت له : ابي مادام قلبك النقي مليء بالامال سوف تنهض من كبوتك وتعيد كل مافقدته.
اتصل ابي بصديق له خارج العراق يعمل في تجارة السيارات واتفق على السفر والعمل معه.
وكانت تلك السنة اخر مرحلة لي بالكلية وامي تكافح بصبر وثبات لكي نعيش بكرامة، ومرت السنة وتخرجت من كلية الزراعة، وكنت اساعد امي في الخياطة حتى اصبحت اتقنها باحترافية واصبحت امورنا المادية افضل.
كانت تلك السنوات صعبة وقاسية وكانت سلسلة من الابتلاءات وكم بكيت وحدي في اغلب الليالي لم يسمع انيني سوى الله.. ولكني تعلمت الكثير من دروس الحياة وكأني كبرت مئة سنة.
واخيرا ابتسم لي القدر وتم تعييني في احد شركات الدواجن كأخصائية في علم تغذية الحيوان..
أما ابي فلازال في الغربة يعمل بكد ونجاح.. ورغم ان الحياة وضعته في زاوية مظلمة ضيقة الا انه دائما متمسكا بالامل.. ولم يتبقى الا القليل من ديونه الحياة وان أدت بنا إلى مطبات صعبة جدا لابد لحرير خيط الأمل ان يبزغ ويشرق من جديد مدام هناك حياة مدام هناك أمل....
انتهى..
0 تعليقات
إرسال تعليق