مارد عبد الحسن الحسون
الى سنوات قليلة ماضية ، لم اكن افكر في كتابة محطات من حياتي لأنشغالاتي اليومية في العديد من القضايا التي تهم بلدي واصلاح شانه من موقع مسؤوليتي الوظيفية السابقة ، وكذلك من موقع مسؤوليتي الاجتماعية العامة في الانتصار لحقوق مواطنين انقطعت بهم السبل ،ومع شدة انشغالي كان السؤال اليومي الذي يلح في ذهني ،كيف لي ان أهمل العديد من الأحداث التي مرت على حياتي وهي جزء من تاريخ بلدي ، هكذا تولدت لدي فكرة كتابة مذكراتي ، وبالفعل بدأت الكتابة وها أنا اليوم اعلن عن انجاز تلك المحطات على امل ان انشر بعضها قبل ادراجها في كتاب يجمعها ويسعدني ان اضع امام قراء الزمان أحدى المحطات لدلالاتها الطريفة .
لقد اخذت علاقتي بعمي سوادي الحسون طابعا متميزاً لأعتبارات تتعلق بهذه الشخصية السياسية المعروفة الذي كان على علاقات واسعة مع العديد من الشخصيات السياسية ووجوه المجتمع العراقي ، وقد انتخب في البرلمان العراقي (مجلس الامة) خمس دورات في العهد الملكي ، وأشتهر بشخصية طريفة تميزت احاديثه بالحسچة والعبارات اللاذعة وكان يحفظ الكثير من الحكايا التراثية التي عادةً ما يستدل بها خلال مداولاته مع الاخرين
لقد شاءت الصدف أن يتم بعد تخرجي من كلية الشرطة في ٨ / ٢ /١٩٦٩ وتعيني في امرية القوة السيارة التابعة لوزارة الداخلية ونسبت للعمل في سرية حراسة معتقل الفضيلية ب شرقي العاصمة بغداد حيث وجدت رئيس الوزراء الاسبق طاهر يحيى معتقلاً في هذا السجن بعد السابع عشر من تموز عام 1968 ، وكنت اراعي ظرفه الصحي وهكذا نشأت بيننا حوارات شتى ، وتطرقنا بالحديث الى العديد من الشؤون ليتذكر معي بعض مواقف عمي سوادي ومنها موقف لسوادي مع نوري السعيد .
كان الاثنان على علاقة تتراوح بين التذبذب والود ، وفي احد الايام التقى الاثنان في أحدى اروقة مجلس الامة فبادر نوري باشا سوادي الحسون (ها سوادي ان شاء الله بخير) فرد عليه عمي (هو الي يشوفكم باشا يشوف خير) فاستقبل السعيد رد عمي باريحية وابتسامة وقد شاعت هذه المحاورة البسيطة بين العراقيين انذاك في توصيف مقدار الحنكة السياسية التي كان يتمتع بها نوري سعيد ، وفي الوقت نفسه مقدار الطرافة والنباهة والجرأة التي يتمتع بها عمي سوادي .
وعلى ذكر معلومات موثقة اخرى ما جاء في كتاب لبرزان التكريتي تحت عنوان محاولات اغتيال صدام حسين فقد اورد برزان اسم سوادي الحسون بوصفه من المخططين لأحدى المحاولات التي استهدفت صدام وقد صدر الكتاب بعد وفاة عمي سوادي بعدة سنوات .
ومن الاحداث الطريفة الاسبق عنه ، انه زار رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف عام 1966 ،السنة التي تخرجت فيها من الاعدادية انا وابن عمي صالح راجيا منه قبولنا نحن الاثنين في كلية الشرطة قائلا له جلبت لفخامتكم اثنين من احفاد ثورة العشرين واريد قبولهما في كلية الشرطة فما كان من رئيس الجمهورية الا الاتصال هاتفيا بوزير الداخلية انذاك السيد رجب عبد المجيد وطلب منه ادراج اسمي واسم صالح ضمن المقبولين في كلية الشرطة ولكن بشرط اجتياز الفحص الطبي ، وهذا ماحصل بالضبط في ذلك العام ،بينما كان والدي يريدني ان ادخل كلية الحقوق ، واصبح محاميا فحسب .
ومن الطرائف الاخرى ان عمي سوادي اوصاني بترديد عدداً من الاهزوجات الشعبية ذات الدلالة الوطنية عن ثورة العشرين امام لجنة المقابلة ، اي الهوسات التي تتعلق بالفاله والمكوار ،الاسلحة التي استخدمها المقاومون العراقيون في معركة العارضيات ضد القوات البريطانية التي احتلت العراق ، فقد كان عمي سوادي من الشباب الذي ساهموا في تلك المعركة التي انزلت بالبريطانيين خسائر كشفت عنها الوثائق اابريطانية نفسها حين أزيح عنها النقاب بعد مضي خمسين سنة على تلك المعركة التي اندلعت بالكثير من الارادة الوطنية العراقية .
انني حين استذكر هذه الوقائع الموثقة اشعر بالمزيد من الامتنان لتلك الحقبة من تاريخ العراق رغم مشاكلها العديدة ،ولكن لم يحصل فيها الخلل الاجتماعي الحاصل الان
لقد كان هناك حرص واضح على اصول العلاقات المتسمة بالتفدير والاحترام المتبادل .وقياس الناس على مقدار المنزلة التي يتمتعون بها نتيجة الخدمة التي يقدمونها والاعتبارات التي تتعلق بقيم النخوة والتضامن وصيانة الحقوق . .
0 تعليقات
إرسال تعليق